هناك نكتة لا يصح أن تقال بدون تصرف، مضمونها أن شخصا يعمل كهربائيا ارتكب جريمة مشينة ذاعت بين الناس، حتى وصلت لذوى الضحية فكان تعليقهم الوحيد على المتهم بالجريمة أنه «لا هو كهربائى ولا بيفهم فى الكهربا».
على ضوء هذه النكتة يمكن قراءة رد فعل رئاسة الجمهورية، ومشيخة الأزهر على جريمة فتوى إهدار دم المتظاهرين يوم ٢٤ أغسطس الجارى، فالرئاسة أسرعت بإعلان براءتها من هذه الفتوى، وعدم صلتها بمطلقها، فيما ذهبت مشيخة الأزهر إلى أن صاحب الفتوى مجرد واعظ، وليس عضوا فى لجنة الفتوى.. بالظبط كما هو الوضع فى النكتة الشهيرة «ليس كهربائيا والكهرباء منه براء».
وأمام كلام مروع وإفتاء جاهل مفزع كالذى نحن بصدده، لا يكفى أن تغسل قمة السلطتين السياسية والدينية فى مصر يديهما من صاحب هذا الكلام، فالأمر هنا يتعلق بأرواح أعداد من المصريين، نختلف معهم سياسيا وقيميا ولكن دون أن يتطور الخلاف إلى صراع وجود، ويبلغ حد استصدار فتاوى إهدار الدم.. وعليه كان المنتظر من رئاسة الجمهورية ألا تكتفى بنفى معرفتها بـ«الكهربائى» وألا تقف مشيخة الأزهر عند تجريده من الخبرات الخاصة بشئون الكهربة، وبدلا من ذلك كنا نتوقع أمرا حاسما بإحالته للمحاكمة العاجلة، بتهمة تهديد الأمن القومى والسلم الأهلى.
وربما لا يعجب هذا الكلام بعضهم ويثغو بكلام من عينة «يا سلام وهو الرئيس هيسيب شغله ويتفرغ لأمور تافهة مثل هذا الذى فعله صاحب الفتوى»، وظنى أن هؤلاء يضرون بالرئيس أكثر مما يفيدونه بثغائهم هذا، ذلك أنه ولكى لا ننسى فإن هذا الكائن الفضائى العكاشى أحيل إلى محكمة الجنايات بتهمة إهدار دم رئيس الجمهورية والتحريض على قتله، وهى الجريمة ذاتها التى يمكن أن تقع جراء فتوى «الواعظ بس» الذى أباح دماء المصريين الذين يفكرون فى التظاهر ضد الرئيس مرسى وجماعة الإخوان المسلمين .
إن آخر الأخبار تقول إن حزب الحرية والعدالة (حزب الرئيس وجماعته) بدأ فى مطاردة الزميل عبدالحليم قنديل وزملاء آخرين قضائيا، بتهمة إهانة الرئيس والجماعة فى مقالاته، ويبدو أننا نعيش نوعا من غطرسة القوة، ونشوة الامتلاك، تجعل البعض يتناسون التاريخ، أو ربما يذكرونه لكنهم يعمدون إلى إشعال النار فيه.. فالثابت أن أحدا لم يدافع عن حقوق الإخوان المسلمين السياسية والإنسانية فى عز جبروت نظام مبارك وتهوره مثل عبدالحليم قنديل، الذى دفع ثمن معارضته النبيلة الصارمة كما لم يدفع أحد من المعارضين من قبل.. وفى الوقت الذى كان فيه البعض يبحث عن فتات موائد مبارك وأحمد عز الانتخابية كان عبدالحليم قنديل قد وصل بالمعارضة المبدئية لمبارك تخوما لم يبلغها غيره.
وعبدالحليم قنديل كان أيضا واحدا ممن اعتبروا أن الوقوف بجانب محمد مرسى فى جولة الإعادة بانتخابات الرئاسة واجبا وطنيا ومقتضى ثوريا، وإن لم تخنى الذاكرة هو الذى رد على المشمأنطين من اختيار مرسى بعبارة «اعصر على نفسك ليمونة».
غير أن الدعوة لانتخاب مرسى فى مواجهة مرشح الثورة المضادة لا تعنى بأى حال من الأحوال أن يكون ذلك «شيك على بياض» لتأييد مرسى والموافقة على قراراته آناء الليل وأطراف النهار، فمعارضة مرسى حين يخطئ واجب أكثر قدسية من التصفيق له حين يصيب، وهذا للأسف الشديد ما لا يفهمه بعض أنصار الرئيس ممن أخذوا على عاتقهم مهمة ملاحقة الكتاب والصحفيين فى المحاكم.
والثابت أن أحدا فى مصر لن يقف متفرجا على محاولات ذبح حرية الكلمة بسكين «الحرية والعدالة» والمؤكد أن عملية التجريف التى جرت فى حقل الإعلام أخيرا، بدءا من الوزارة وحتى رئاسة تحرير الصحف الرسمية، لن تستطيع صناعة منظومة إعلامية دفاعية فى مواجهة منتقدى الرئيس والجماعة والحزب، ذلك أنه لم يثبت حتى الآن أن إعلام «المتردية والنطيحة وما أكل السبع» قادر على إزاحة الإعلام المهنى المنتمى للناس وليس للسلطة.