التطهير العرقى فى ميانمار - مشاهدة سلطانة ريتو - بوابة الشروق
الأربعاء 11 سبتمبر 2024 12:29 ص القاهرة القاهرة 24°

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التطهير العرقى فى ميانمار

نشر فى : الخميس 19 يوليه 2012 - 8:50 ص | آخر تحديث : الخميس 19 يوليه 2012 - 8:50 ص

فى الربيع الماضى، انبهر العالم بازدهار الديمقراطية فى ميانمار. ولكن الآن، بعد ثلاثة شهور من فوز الناشطة داو أونج سان سو كى بمقعد فى البرلمان، وشهر من سفرها إلى أوسلو لتتسلم متأخرة جائزة نوبل للسلام التى نالتها عام 1991، يدق جرس الإنذار فى بلدها. فقد بدأت فى يونيو مجزرة ضد طائفة مسلمة من السكان تسمى الروينجا فى قرى ولاية أراكان. وهذا هو الجانب القبيح للتحول الديمقراطى فى ميانمار الزهرة التى تتعفن، رغم أنها تبدو فى حالة إزهار.

 

ولا تعتبر القسوة تجاه الروينجا جديدة. فقد واجهوا التعذيب والإهمال والقمع فى الدولة ذات الغالبية البوذية منذ استقلالها فى عام 1948. حيث يغلق دستورها جميع الخيارات المتاحة أمام الروينجا كى يكونوا مواطنين، بحجة أن أجدادهم لم يكونوا موجودين فى هذا البلد، الذى كان يسمى بورما، تحت الحكم البريطانى فى القرن 19. وحتى مع تراخى قبضة الحكام العسكريين الآن، ليس هناك أى مؤشر على التغيير لصالح الروينجا. بل إن أهالى بورما يسعون لطردهم.

 

●●●

 

ويمكن إرجاع العنف الحالى إلى اغتصاب امرأة بوذية وقتلها فى أواخر مايو، واحتجاز الشرطة ثلاثة مسلمين متهمين. وأعقب ذلك هجمات الغوغاء على الروينجا وغيرهم من المسلمين قتل فيها عشرات الأشخاص. ووفقا لما ذكرته منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، تقوم قوات أمن الدولة الآن باعتقالات جماعية للمسلمين، وتدمير آلاف المنازل، ويتحمل الروينجا الجانب الأكبر من هذه الأعمال. وقد حاول الروينجا الفرار عبر نهر ناف إلى بنجلاديش المجاورة، ولقى بعضهم حتفه فى هذه المحاولة.

 

ونشرت وسائل الاعلام فى بورما عن أعمال شغب قام بها الروينجا فى وقت سابق، ووصفتهم بأنهم إرهابيون وخونة. وفى منتصف شهر يونيو، أعلنت الحكومة حالة الطوارئ، بدعوى وقف هذا العنف. لكنها استخدمت قوات أمن الحدود لحرق المنازل وقتل الرجال وطرد الروينجا من قراهم. وفى يوم الخميس، طرح الرئيس ثين سين إمكانية إنهاء الأزمة عبر طرد جميع السكان الروينجا أو دفع الأمم المتحدة إلى إعادة توطينهم  وهو الاقتراح الذى رفضه مسئول الأمم المتحدة بسرعة.

 

ما يحدث ليس عنفا طائفيا؛ لكنه تطهير عرقى بدعم من الدولة. ولا تضغط أمم العالم على زعماء ميانمار لوقفه. بل إن حتى أونج سان سوكى لم تعلن موقفا بهذا الصدد.

 

وفى منتصف يونيو، بعد أن فر بعض الروينجا بحرا إلى قرى فى بنجلاديش، حكوا قصصا مروعة لفريق من الصحفيين  كنت بينهم فى هذه المدينة القريبة من الحدود. وقالوا إنهم تعرضوا لإطلاق النار من طائرة هليكوبتر، وإن ثلاثة قوارب فُقدت من ستة. وغرق بعض الأطفال أثناء الرحلة التى استغرقت أربعة أيام، وتوفى آخرون من الجوع. وقالوا إن العائلات، بمجرد وصولها إلى بنجلاديش، واجهت الترحيل إلى ميانمار. لكن بعض الأطفال الذين انفصلوا عن أهلهم وجدوا طريقهم إلى إلى المأوى فى منازل القرويين، وربما ظل آخرون يتضورون جوعا فى مخابئ أو صاروا فريسة للشبكات الإجرامية. وعثر حرس الحدود على وليد مهجور على متن قارب، وبعد أن تلقى الطفل العلاج الطبى، ترك الطفل فى رعاية صياد محلى مؤقتا.

 

●●●

 

فما هو السبب فى أن هذه المذبحة لم تثر المزيد من السخط الدولى؟ من المؤكد أن ميانمار صارت وجهة لاستثمار رءوس الأموال الآن بعدما صدقت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى وكندا، رواية الحكومة عن التحول الديمقراطى، وتم رفع جزء كبير من العقوبات الاقتصادية التى بدأ تطبيقها بعد 1988 (وهى التدابير التى لم تمنع الصين والهند وكوريا الجنوبية وتايلاند وسنغافورة وشركات النفط متعددة الجنسيات من التعامل مع البورميين). غير أن وزيرة الخارجية هيلارى رودهام كلينتون عندما زارت ميانمار أواخر العام الماضى، رحبت بخطواتها الأولى نحو الديمقراطية، كما حددت شروطا لتعزيز العلاقات، من بينها وقف أعمال العنف العرقية.

 

وتبدأ محنة الروينجا بكونهم عديمى الجنسية  مع إنكار حقهم فى المواطنة، وهى مسئولية ميانمار المباشرة. ولم يكن ينبغى للسيدة أونج سان سو كى على الرغم من انها ليست بقوة ضباط الجيش المتحكمين فى مرحلة التحول فى ميانمار أن تتجنب الأسئلة حول الروينجا، كما فعلت عند تكريمها فى الغرب. وكان عليها، بدلا من ذلك، أن تستخدم صوتها وسمعتها للإشارة إلى أن المواطنة حق أساسى لجميع البشر. وفى الخامس من يوليو، ناشدها الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامى، أكمل الدين إحسان أوغلو، بأن ترفع صوتها للمساعدة فى إنهاء العنف.

 

ومما لا شك فيه، أن بنجلاديش يمكنها بذل المزيد من الجهد؛ فحدودها النهرية مع ميانمار غير مؤمنة، ويقوم الآلاف من الروينجا بعبورها بالقوارب أو السباحة ليلا. لكن على الرغم من بنجلاديش آوت مثل هؤلاء اللاجئين فى الماضى  يعيش مئات الآلاف من الروينجا هنا الآن، سواء بشكل مشروع أو غير مشروع  فقد أحجمت هذا العام حتى الان عن الترحيب بهم، خوفا من تشجيع تدفق جديد هائل. وبالفعل، تثير هذه المخاوف المشاعر المضادة للروينجيا بين بعض البنغاليين. وفى البداية، حاولت حكومة بنجلاديش إجبار اللاجئين على العودة، من دون تقديم مساعدة لهم. بعد أن تعرض بعض القرويين لخطر الاعتقال بسبب ايواء اللاجئين فى منازلهم، بدأت الحكومة تقديم المساعدات الإنسانية، قبل إعادتهم مرة أخرى إلى قواربهم. وينبغى على بنجلاديش توفير المأوى للاجئين، كما فعلت فى السنوات الماضية، كما يطالب المجتمع الدولى.

 

●●●

 

لكن، ينبغى على العالم أن يسلط الضوء على ميانمار. ويجب ألا يرحب بمثل هذه الشدة بالديمقراطية فى بلد يترك الآلاف من الرجال والنساء فى مياه النهر، لينتهى الأمر بهم جثثا على ضفتيه، بعد أن تعرضوا للإهانة والطرد من بلد عاشت عائلاتهم فيه لقرون.

 

كل الحقوق محفوظة لشركة النيويورك تايمز لمبيعات الخدمات الصحفية.

مشاهدة سلطانة ريتو أستاذة اقتصاد بجامعة دكا، بنجلاديش
التعليقات