نظرية مصنع المكرونة - عمرو خفاجى - بوابة الشروق
الأحد 19 مايو 2024 6:49 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نظرية مصنع المكرونة

نشر فى : السبت 19 أكتوبر 2013 - 9:15 ص | آخر تحديث : السبت 19 أكتوبر 2013 - 9:15 ص

فى نفس اليوم الذى افتتحت فيه إمارة أبوظبى مبادرة «شمس» كواحدة من أكبر مبادرات الطاقة المتجددة فى العالم، عبر شركة «مصدر»، افتتح الرئيس المعزول، محمد مرسى، رئيس جمهورية مصر العربية مصنع مكرونة فى أسيوط (!).

المشكلة بالطبع ليست فى محمد مرسى، ولكن فى طريقة التفكير بين مشاركة البشرية فى توفير الطاقة المتحددة، واهتمام رئيس الدولة بافتتاح مصنع مكرونة، صحيح ان ذلك كان يحدث بصيغ مختلفة فى عهد مبارك، ربما مشروعات أكثر أهمية، إنما لم نكن نتوقع بعد الثورة أن يستمر هذا العبث وهذه الخيبة فى دولة ترغب أن تلحق بقطارات التقدم والعلم، والمصادفة التى جمعت انطلاق المشروعين فى ذات اليوم، مصادفة خبيثة تكشف حجم الورطة التى وقعت فيها مصر بآليات تفكير سلطوية خائبة، ويمكن تكون المصيبة أكبر فى عهد مرسى، لأن من المفترض أن الرجل دارس لعلوم متقدمة فى واحدة من جامعات الولايات المتحدة المتفوقة فى الهندسة، وكان عليه أن يعى جيدا ماذا يفعل، وماذا يعنى أن يفتتح رئيس الدولة مصنع مكرونة، وما دلالة ذلك على المستويين المحلى والإقليمى، لأن نشاط رئيس الدولة بالضرورة، يشغل اهتمام الإعلام، وبالتالى ستكون قصة مصنع المكرونة فى واجهة الأخبار التى تتحدث عن مصر، والمعبرة عن أنشطتها البارزة.

افتتاح رئيس الدولة لمصنع مكرونة، يكشف لنا الطريقة التى تتعامل بها مؤسسات السلطة فى مصر، مع شعبها، وما تريد ان تعبر عنه، فهى دائما ترغب فى القفز لكل المواقع التى توفر السكن والغذاء للشعب، حتى لو كان الموقع مجرد مصنع مكرونة، وهذه العقلية تعلن أن هذا الشعب مازال فى مرحلة توفير الطعام، وهى طريقة تفكير ليست بعيدة عن سياسات السيطرة بالزيت والسكر، وبالتالى تبدو القصة كلها بين الحاكم والمحكوم تدور فى محيط صغير وتافه، والمشكلة أن هذه العلاقة تتعمق وتتجذر أكثر كلما رغبت السلطة فى مغازلة الجماهير وفى طلب ضمان ولائها، دون أن تكون لهذه السلطة القدرة على قيادة البلاد نحو المستقبل، وتخليص الشعب من الحرمان الدائم للسلع الأساسية، أو ان تقود السلطة شعبها للتطور والتقدم، لذا يصبح مصنع المكرونة على أولويات رأس السلطة.

انشغال السلطة بتوفير الاحتياجات الأساسية ضرورة لا نناقشها، وواجب من واجباتها الأساسية لا يحتاج لأى نوع من المراجعات، وإنشاء مصنع جديد للمكرونة أمر طبيعى ومنطقى، أما أن يكون ذلك هو أجندة رئيس الدولة، فتلك هى المصيبة التى نطاردها، تماما مثلما أعلنت حكومة الدكتور الببلاوى عن توافر الأرز حتى نهاية العام، وكأن عدم توافره أمر مطروح للنقاش، أو أن هذا ما يشغل عقل الأمة الباحثة عن مخرج من مأزق كبير، نحن لا نطلب من حكومة الدكتور الببلاوى صنع المعجزات كما قلنا كثيرا، فهى حكومة انتقالية مشكورة لما تفعله، كل ما نطلبه أن تضعنا على خط البداية الصحيح، أن تحدثنا عن ضرورة البحث العلمى وتوفير الميزانيات الضخمة له، أن تتقدم بجسارة لكشف واقعنا التعليمى المهترئ، أو تتقدم بأفكار علمية وعملية لانتشالنا من الواقع الصحى المتردى، الذى يقتل أكثر مما يعالج، نطلب من حكومة الببلاوى أن تحدثنا عن مشروعات تشركنا مع البشرية لحظات التطور وتعكس التغيير الذى يجب أن يحدث فى مصر، لا تطميننا على مخزون الأرز (رغم أهميته طبعا) فهذا يعكس ــ فقط ــ منظومة تفكير السلطة التى من الواضح أنها مازالت تؤمن بأهمية تطبيق نظرية مصنع المكرونة.

عمرو خفاجى  كاتب صحفي وإعلامي بارز
التعليقات