أحد كبار رجالات الثقافة والشأن العام فى مصر، تعرض لوعكة صحية، فاضطرته حالته للسفر إلى ألمانيا لإجراء جراحة عاجلة، وكان ذلك بعد الثورة بشهور قليلة، والمصادفة قادته إلى العلاج فى مستشفى بمدينة هايدلبرج، وهى ذات المدينة التى استقبلت الرئيس السابق، حسنى مبارك، أكثر من مرة.
الرجل الذى ذهب للعلاج، مضطرا، بعد ان عاش شهور الثورة الأولى متألما، اتصلت لأطمئن على صحته، وكعادته، عاجلنى بمقولة مدهشة، كانت نتاج حوار مع أحد كبار مدينة هايدلبرج، وهو تركى الأصل، فحينما سأله عن معرفته بالرئيس السابق وقت وجوده للعلاج، قال الرجل الألمانى: ´اندهشت كثيرا عندما عرفت أنه يحكم بلاده منذ ثلاثين عاما وفشل فى إنشاء مستشفى لعلاجهª.
ووقت أن سمعت مقولة التركى الألمانى، قبل عام تقريبا، أدركت أن هذا الرجل، لخص تاريخ مبارك فى الحكم بجملة واحدة بليغة، تعنى بالضرورة، انه كان حاكما فاشلا، قبل أى صفة أخرى، فاشلا حتى فى علاج نفسه، ورغم بلاغة العبارة، فإنها فى ذات الوقت تكشف عن قسوة ما فعله الرئيس السابق بنا وبنفسه، فإذا كان الرئيس لا يجد علاجا فى بلده، فكيف حال الفقراء والمساكين من مرضاه؟
ولا أعرف لماذا تذكرت هذه العبارة، وسط ضجيج الحوارات الصاخبة عن حوادث قطارات السكة الحديد، وكلها تكشف ــ بالطبع ــ عن فشل النظام السابق أولا، وهذا لا يعنينا فى الكثير لأن هذا النظام قامت عليه ثورة بالفعل، وثانيا، فإن حوارات حوادث السكة الحديد تكشف أيضا، عن ´قلة حيلةª من يحكم الآن، باسم الثورة، ولقصر المدة فقط، هى ´قلة حيلةª وليست فشلا، وقصر المدة، فى الواقع، لا يعفى النظام الجديد من مسئوليته تجاه ما يحدث الآن من أزمات وكوارث، لأن هذا النظام، إن لم يكن مطالبا بحل وإنهاء أزمات عصر مبارك ومن سبقه، فهو بالضرورة مطالب ــ على الأقل ــ بإعلان رؤيته لحلها وكيفية مواجهتها، ثم تدشين الخطوات الأولى فى اتجاه تنفيذ هذه الرؤية، والحقيقة أن أى شىء من هذا لم يحدث للأسف، والدليل على ذلك أن نفس هذه الحكومة، لم تفعل شيئا تجاه مشكلة السكك الحديدية عندما تسلمت مهمتها، وحينما جاءتها كارثة قطار أسيوط بكل ما تحمله من فواجع، أيضا لم تفعل شيئا.. توالى الحوادث، ربما يكون أمرا طبيعيا لتراكم المشكلات والإهمال، لكن عدم اتخاذ أى شىء حقيقى تجاه المشكلة، هو الأزمة التى نواجهها بالفعل، أو أن هذا هو الفشل الحقيقى الذى نعيشه الآن.
وربما يكون الأكثر ألما، فيما نراه ونتابعه الآن، أن هذا النظام، حتى الآن، لم يسع حتى لينال شرف المحاولة، والتى ربما تنتهى بالفشل، المهم أن نحاول، وهذا ما لم نقم به جميعا،ليس فقط على مستوى حوادث القطارات وغيرها من الكوارث، بل حتى فى فكرة التوافق السياسى، التى هى بالضرورة حجر الزاوية لنجاح أى مرحلة انتقالية، فنحن، تقريبا، فشلنا فى أن نفشل، وربما لن يكون أمامنا هايدلبرج، مثل مبارك، نعالج ما فشلنا فيه.