رسالة مكلومين - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
السبت 21 ديسمبر 2024 2:02 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

رسالة مكلومين

نشر فى : الأربعاء 20 يناير 2016 - 10:40 م | آخر تحديث : الأربعاء 20 يناير 2016 - 10:40 م

«مرسل إليكم من حمدى سعيد، محام وشقيق الطبيب أحمد سعيد، جراح أوعية دموية بفرانكفورت ألمانيا.

نرسل إليكم طلب الدعم والكتابة عن قضية الدكتور أحمد. فقد تصادف أثناء قضاء أحمد لإجازته السنوية فى مصر مروره بوقفة صامتة لمجموعة من الشباب على رصيف كوبرى 6 أكتوبر لإحياء ذكرى أحداث محمد محمود. وكان ذلك بتاريخ 19 نوفمبر 2015. الهدف من الوقفة كان التذكير بأرواح الشهداء والمصابين، وقد تضامن أحمد مع الشباب لبضع دقائق ثم حياهم وانصرف. بعد ساعات قليلة، تم إلقاء القبض عليه من مقهى فى منطقة عابدين واقتياده إلى قسم شرطة عابدين بحجة الكشف على بطاقته الشخصية. بعد ذلك تم احتجازه فى القسم، ووجهت إليه تهم بالتظاهر وقطع الطريق فى منطقة عابدين، تحديدا تقاطع شارع محمد محمود مع شارع محمد فريد. وواقع الأمر أن هذا لم يحدث أبدا، وتم نفيه فى إفادة رسمية من هيئة النقل العام. بعد ذلك تعرض أحمد لانتهاكات دستورية وقانونية، أهمها حبسه فى زنزانة تأديب هو وأربعة شباب تم توجيه ذات التهم إليهم. كذلك حرم أحمد من حقه فى الاتصال والمراسلات، ومنعت عنه الملابس الشتوية والأدوية والمراجع الطبية الهامة لعمله، بل لم يتمكن من الحصول على ورقة وقلم. وبعد 20 يوما من القبض على أحمد، تم الحكم عليه وعلى الشباب الآخرين بعامين حبسا، وهو الآن بسجن العقرب مشدد 2».
منذ يومين، وصلتنى الأسطر السابقة ودفعتنى إلى القراءة عن أحمد سعيد والبحث عن معلومات إضافية. طبيب مصرى يعمل الخارج، يعود إلى الوطن فى إجازة سنوية، يتضامن مع وقفة صامتة لم تقطع الطريق تحيى ذكرى محمد محمود التى شارك هو بها باعتباره طبيبا فى المستشفى الميدانى، تسلب حريته بعد ساعات من تضامنه السلمى مع الوقفة السلمية ينتهى به الحال فى سجن العقرب.
للأسف لم يعد مثل هذا الانتهاك السافر لحق المواطن فى التعبير الحر والسلمى عن الرأى يشكل استثناء من القاعدة، فمصر بها شباب سلبت حريتهم لأنهم أرادوا أن يواسوا والدة رفيق لهم فقدته كأم وفقدوه كأصدقاء، فألقى القبض عليهم ودفع بهم إلى خلف أسوار السجون.
ولم لا، ومصر بها الآلاف من المحبوسين احتياطيا دون إجراءات تقاض عادلة وناجزة، وبدلا من أن يجرم ويحاسب المسئول عن سلب حريتهم يجرم كل من يذكر الرأى العام بالظلم الواقع عليهم ويطالب بالإفراج عنهم؟ ولم لا، ومصر بها قانون للتظاهر زعم مؤيدوه ــ زيفا ــ اتساقه مع المعايير العالمية لممارسة الحق فى التظاهر بينما هو يجرم وقفة سلمية صامتة لم تقطع الطريق؟
للأسف أيضا، تدلل الشهادات الشخصية المتواترة عن المعاملة التعسفية للمسلوبة حريتهم فى السجون وغيرها من أماكن الاحتجاز على إهدار ممنهج لكرامة الإنسان. على لسان الأهل (كما فى حالة الطبيب أحمد سعيد) أو من خلال تصريحات المحامين المتولين للدفاع عنهم، تأتى هذه الشهادات الشخصية لتخبر أصحاب الضمير والمستجيرين بالعدل من رمضاء الصمت على الانتهاكات والمعايير المزدوجة عن مظلومين لا يقف الظلم الواقع عليهم عند أسوار السجون بل يتجاوزها إلى داخل الزنازين. وما إن ينشط بعض أصحاب الضمير ويطلقون مبادرات لجبر الضرر عن الضحايا ــ كحملة «الحق فى الصحة داخل أماكن الاحتجاز» على سبيل المثال، حتى تطولهم هم أيضا اليد القمعية للأجهزة الأمنية ــ فتسلب حريتهم.
لا أملك اليوم من أدوات للمواجهة السلمية للظلم سوى الكتابة، وأدرك جيدا أن الكلمة المكتوبة ما عاد لها من البريق ما يخلص من الألم ولا من الفاعلية ما يحد من وطأة الشعور بالعجز.

عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات