الأسطورة - محمد زهران - بوابة الشروق
السبت 14 ديسمبر 2024 11:05 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الأسطورة

نشر فى : السبت 20 فبراير 2016 - 10:25 م | آخر تحديث : السبت 20 فبراير 2016 - 10:25 م
كان يحارب الاستعمار الإنجليزي عن طريق الطب كما قال عنه عبدالمنعم شميس في كتابه الرائع "عظماء من مصر"! هذا الساحر صاحب الأصابع الذهبية كان يأتي بالأعاجيب، علماً وخلقاً. نحن الآن في العقد الثاني من القرن العشرين، مرض السلطان حسين كامل مرضا شديدا عجز معه كل الأطباء الأجانب عن علاجه، فأشار عليه أحد أفراد الحاشية بالدكتور علي إبراهيم، جاء هذا الطبيب العبقري وأجرى جراحة للسلطان شفي على أثرها! لم تنته القصة هنا فقد طلب هذا الطبيب، الناشئ آنذاك، ألف جنيه ذهب من السلطان كأجر! لا تنس أننا في عام ١٩١٥! ذاع صيت الدكتور علي إبراهيم ولكن الفقراء من الناس تهيبوا من الذهاب لهذا الطبيب الذي يأخذ ألف جنيه ذهب، و لكن.. فلنرى.

مرضت ابنة أحد الفقراء وكادت أن تموت، والرجل لا يملك شيئا ناهيك عن ألف جنيه من الذهب، ولكنه فكر أنه لن يخسر شيئا لو ذهب إلى الدكتور علي إبراهيم في سبيل حياة ابنته، فجمع كل ما يملكه، وكان لا يتجاوز الخمسة جنيهات، ووضعه في مظروف. الدكتور أخذ منه المظروف وأجرى الكشف على الابنة وقرر إجراء جراحة لها في اليوم التالي، بعد نجاح الجراحة و شفاء الابنة أعاد الدكتور المظروف لهذا الرجل وفيه خمسون جنيها فوق الخمسة!! كان قد أخذ منه المظروف في أول مقابلة حتى لا يجمع عليه حرجا فوق خوفه على ابنته! الروايات كثيرة للغاية عن هذه الشخصية الأعجوبة.. الذي كان يأخذ من الأغنياء ليعطى الفقراء.. في كتابه الرائع الذي أنصح الجميع بقراءته "عظماء من مصر" يحكي عبدالمنعم شميس أن أحد القضاة ذهب لعمل جراحة عند الدكتور علي إبراهيم، وعندما حان وقت الحساب سأل القاضي عن راتبه وأخذ منه مرتب شهر كأجر للعلاج، مرتب هذا القاضي في الشهر كان أقل من ثمن الدواء ناهيك عن أجر الجراحة نفسها!! كان علي إبراهيم واحدا من أشهر الجراحين في العالم آنذاك.

لا تظن أن الدكتور كان أحادي التفكير، العظمة لا تأتي إلا بسعة المدارك. علي إبراهيم كان واحدا من أعظم جامعي التحف الإسلامية والسجاجيد القديمة وكان من عشاق الطرب والغناء أيضا.

لم يكتف هذا الجراح بما قدمه لأهل عصره، بل أبى إلا أن يترك بصمته للأجيال القادمة، فهو من بنى القصر العيني الجديد كما أنه أول عميد مصري لكلية طب القصر العيني عام ١٩٢٩.. أتدري كيف بنى القصر العيني الجديد؟ مرض إسماعيل صدقي رئيس الوزراء وكاد أن يموت فجاءه طبيبنا وعالجه حتى شفاه الله ولما سأله رئيس الوزراء عن الأجر كان رد علي إبراهيم: مليون جنيه!! ورغم ضخامة المبلغ فقد دفعه إسماعيل صدقي الذي رأى الموت بعينيه.. أعلمت الآن كيف حصل علي إبراهيم على المال اللازم لبناء القصر العيني الجديد؟

أعتقد أن قشعريرة شديدة ستنتابني كلما مررت بحي عابدين حيث كان منزل وعيادة ومستشفى علي إبراهيم.. علي باشا إبراهيم.. وزير الصحة في بدايات الأربعينيات من القرن العشرين.. هذا النحيل الأسمر براق العينين الذي فاق فطاحل الأطباء الإنجليز وقتها.. كما قلنا في البداية: حارب الاستعمار بالطب.

الدكتور علي إبراهيم درس طوال حياته في مصر، درس في المدرسة الخديوية بدرب الجماميز ثم التحق بمدرسة طب قصر العيني عام ١٨٩٧.

قال عنه أحمد شوقى:

نال عرش الطب من أمحوتب و تلقى من يديه الصولجانا
خاشعاً لله، لم يزه، و لم يرهق النفس إغتراراً و افتناناً
لو يرى الله بمصباح لما كان إلا العلم، جل الله شانا
يا طرازاً يبعث الله به في نواحى ملكه آنا ... فآنا

و قال عنه حافظ إبراهيم:

هل رأيتُم موفقًا كعليٍّ في الأطباءِ يستحقُّ الثناءَ
أودعَ اللهُ صدرَهُ حكمةَ العلـمِ وأجرى على يديهِ الشفاءَ
كم نُفُوسٍ قد سلَّها من يدِ الموتِ بلُطفٍ منهُ وكم سلَّ داءَ
فأرانا لقمانَ في مصرَ حيًا وحَبانا لكُلِّ داءٍ دواءَ
حفظَ اللهُ مبضعًا في يديهِ قد أماتَ الأسى وأحيا الرجاءَ

فرحم الله الأسطورة .. علي باشا إبراهيم.
محمد زهران عضو هيئة التدريس بجامعة نيويورك فى تخصص هندسة وعلوم الحاسبات، حاصل على الدكتوراه فى نفس التخصص من جامعة ميريلاند الأمريكية، له العديد من الأبحاث العلمية المنشورة فى الدوريات والمؤتمرات الدولية، بالإضافة إلى الأبحاث والتدريس.. له اهتمامات عديدة بتاريخ وفلسفة العلوم ويرى أنها من دعائم البحث العلمى، يستمتع جداً بوجوده وسط طلابه فى قاعات المحاضرات ومعامل الأبحاث والمؤتمرات، أمله أن يرى الثقافة والمعرفة من أساسيات الحياة فى مصر.
التعليقات