نجحت الحيوانات فى طرد مستر جونز الطاغية من المزرعة، وقررت أن تتولى إدارتها بنفسها، وأن تسستأثر بخيراتها بعد سنوات من استنزافه لها، وحين عاود مستر جونز ورفاقه الهجوم على المزرعة قاومتهم الحيوانات بشدة، وانتصرت عليهم فى موقعة حاسمة، صارت تعرف فى تاريخ الحيوان بـ«موقعة الزرايب»، التى شارك فيها جميع الحيوانات: الأبقار والأغنام والخنازير والجياد والأرانب والبط والطيور، وحتى الحمار بنيامين، الذى اعتاد أن ينأى بنفسه عن أى مواجهات، لقناعته أن لا شىء يستحق المجازفة، وأن الأمور ستسير برغم كل شىء على الوتيرة ذاتها، لم يتخلف عن المشاركة.
وفى غمرة نشوتها بالانتصار، راحت الحيوانات تردد نشيد النصر: سنثور كألسنة اللهب / سعيا للحق المغتصب.
واجهت الحيوانات بعض الصعوبات فى بداية الأمر، لكن حماسها ورغبتها فى النجاح دفعاها لبذل أقصى جهد ممكن لإثبات جدارتها، ووضع حكماؤها «الوصايا السبع»، والتى كانت بمثابة دستور يحدد علاقاتها ببعضها وبالمزارع من حولها، وكانت أهم بنوده «كل الحيوانات سواسية».
كان لابد من اختيار جماعة تدير شئون المزرعة، ولأن الخنازير كانت الأكثر دهاء وتنظيما، تولت هى القيادة، وبرز من بينها اثنان هما نابليون وسلوبون.
كان التنافس بين الاثنين على أشده، لكن نابليون نجح أخيرا فى إقصاء غريمه وطرده من المزرعة، ولإحكام قبضته، أبقى الحيوانات دائما فى حالة فزع وقلق من المستقبل، وأطلق عددا مهولا من المؤامرات والشائعات بهدف تخويفها، نسبها جميعا إلى مستر جونز أو غريمه سنوبول أو طرف خفى، يستهدف إفشال الثورة والوقيعة بين أطرافها.
أحاط نابليون نفسه بمجموعة من الكلاب الشرسة التى أجزل لها العطاء ومنحها امتيازات كبيرة، وخصصها لحراسته وردع خصومه، كما عزل مجموعة من الخنازير الصغيرة فى غرف خاصة ورباها على السمع والطاعة، واختص جماعته من الخنازير بكل ما تنتجه المزرعة من ألبان وتفاح، وكانت حجته فى ذلك، ان الخنازير يجب ان تظل بصحة جيدة لتتمكن من أداء مهامها فى الإدارة، لأن البديل هو عودة مستر جونز.
صدقت الحيوانات نابليون، وبقيت تعمل بجد وإخلاص دون كلل، لكنها شيئا فشيئا بدأت تكتشف أكاذيبه، وتناقض أفعاله مع أقواله، واستيلائه على خيرات المزرعة وكد حيواناتها لصالح جماعته، أما أكثر ما أثار غضب الحيوانات، فقد كانت التبديلات والتحويرات التى طالت الوصايا السبع (دستور المزرعة)، حتى بدت وكأنها مفصلة على مقاس جماعته ومواليهم، وحتى نشيد الثورة تم تغييره، وحين سألت الحيوانات عن سبب التغيير قيل لهم إن نشيد الثورة كان له صلة بالمستقبل، اما وقد تحقق المستقبل بجلوس الخنزير نابليون على القمة،فلم يعد لنشيد الثورة معنى.
وكانت اللحظة الكاشفة التى تأكدت عندها الحيوانات من حجم الخديعة، حين تناهى إلى سمعها أصوات صاخبة متداخلة من الفناء الخلفى للمزرعة، وحين تابعت مصدر الأصوات هالها ما رأت: كانت الخنازير تقرع الكئوس فى احتفال راقص مع أصحاب المزارع المحيطة، الذين منحهم نابليون محاصيل المزرعة ولبنها ومواشيها...» كانت المخلوقات التعسة تنتقل بأبصارها من الخنزير إلى الرجل ومن الرجل إلى الخنزير وقد اختلط عليها الأمر، فما عادت تميز بين هؤلاء وهؤلاء».
ملحوظة: نشر جورج أورويل «مزرعة الحيوانات» عام 1945.