ومازلنا مع الذكاء الصناعي.. ماله وماعليه - محمد زهران - بوابة الشروق
السبت 14 ديسمبر 2024 12:42 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ومازلنا مع الذكاء الصناعي.. ماله وماعليه

نشر فى : السبت 20 أكتوبر 2018 - 9:50 م | آخر تحديث : السبت 20 أكتوبر 2018 - 9:50 م

في مقال الأسبوع الماضي تكلمنا عن مفهوم الذكاء الصناعي وأثره على حياة الناس ولكننا أصبحنا للأسف نقف بإحترام زائد أمام التكنولوجيا المتقدمة وكأنها أتت بالأعاجيب، العيب في هذه الزيادة في الإحترام أنها تجعلنا عبيداً لهذه التكنولوجيا وصناعها ولهذا سببان: أولاً أغلب الناس تجهل هذه التكنولوجيا أو تلك فتخاف منها وتحس أمامها بشئ من الرهبة وبهذا لا تستطيع إنتقادها، السبب الثاني أننا نأخذ التكنولوجيا كأنها شئ من الوجاهة فتجد رئيس شركة مثلاً يقول: نحن نستخدم الذكاء الصناعي لتحسين منتجاتنا وهو لا يعرف إن كان ما يستخدمه يحسن منتجه فعلاً أو يحسنه بدرجة أفضل من تقنيات أخرى ... فمقالنا اليوم عن الذكاء الصناعي وماله وما عليه وما يجب أن فكر فيه قبل استخدام تكنولوجيا ما في حياتنا وأعمالنا.

كما قلنا في مقالنا السابق عندما يتحدث الناس عن الذكاء الصناعي في أيامنا هذه فهم يقصدون الماكينة المتعلمة أو تعلم الماكينة (machine learning) وهى نوع من برامج الكمبيوتر مهمتها هي التعلم من البيانات القديمة للتنبؤ بما سيأتي في المستقبل مما يساعد متخذ القرار على إتخاذ قراره في الحاضر، لنحلل هذا التعريف وليكن ذلك بمثال فكما قيل أن بضرب المثال يتضح المحال.
في سوق المعاملات المالية هناك أسهم تباع وتشترى وهذا العرض والطلب على الأسهم يؤثر في سعرها سلباً وإيجاباً، فبرامج الذكاء الصناعي تلك تحلل بيانات سهم معين في الماضي وتتنبأ بزيادة سعره سيزيد أو نقصانه وبالتالي تساعد الشخص على إتخاذ قرار إما بشراء المزيد من الأسهم من هذا النوع أو بيع ما عنده من هذا النوع، هل ينفع الذكاء الصناعي في كل هذه الأحوال؟ هل يمكن أن يتنبأ لكل منا هل سنمرض أم لا في المستقبل؟ هل يمكن أن يتنبأ بنتيجة مباراة رياضية؟ بالطبع يمكنه ولكن سيكون تنبؤاً خاطئاً! وهذا يأخذنا إلي التحدث عن عيوب هذه النوعية من البرمجيات.

كل ما تفعله هذه النوعية من البرامج هو البحث في البيانات القديمة عن نمط معين مثل أن السهم يزداد سعره قرب العطلات الرسمية ويقل قرب آخر العام أو ما شابه ثم يبني تنبؤه تبعاً لذلك النمط، هل ينفع ذلك دائماً؟ لا بل الحقيقة أنه لا ينفع في أغلب الأحيان، لماذا؟ لأن الدنيا أكثر تعقيداً بكثير من هذا التفكير المخل، هناك عوامل خارجية كثيرة جداً تتحكم في كل شيء ولا يستطيع الكمبيوتر أن يلم بكل ذلك، إذا ما الحل؟ هناك عدة أشياء يجب أن نضعها في إعتبارنا.

أولاً لا يجب الإعتماد على هذه البرامج وكفي بل يحتاج الأمر إلى متخصص بشري يستطيع معرفة ما أهملته تلك البرامج ويمكنه معرفة متى يأخذ بما تقوله ومتى يتركه فكما قلنا البرامج تبحث عن نمط لكن المتخصص البشري يبحث عن أسباب وهذا هو المهم، فإذا لم نعرف مثلاً لماذا يقل سعر السهم مع نهاية العام مثلاً فمن الممكن أن يكون هنا سبباً يحتاج بعض الدراسة والتفحص لأن هذا السبب قد لا يتواجد العام الذي يليه ومن ثم يكون تنبؤ الكمبيوتر خاطئاً، دعنا نقول أن الكمبيوتر مجرد معاون ولا يمكنه على الأقل حالياً التفوق على الذكاء البشري فيما يتعلق بالإبداع والتفكير غير النمطي ولكنه يتفوق عليه في ما يحتاج حسابات وبحث عن أنماط وفي نظام مغلق بدون مؤثرات خارجية مثل الشطرنج مثلاً فأفضل نقلة على رقعة الشطرنج تعتمد على حسابات والتعرف على أنماط ولا تعتمد على حالة الجو مثلاً أو انتخابات في بلد ما لأن الشطرنج نظام مغلق ولكن حياتنا وكل ما يتعلق بها نظام مفتوح "على البحري" وقد لا تستطيع إحصاء العوامل التي تؤثر على عامل آخر.

ثانياً يجب على من يريد استخدام الذكاء الصناعي معرفة ما نوع البرامج التي يريدها فهناك الكثير منها وقد تطلب أكثرها تعقيداً وتدفع أموالاً طائلاً أو تبذل مجهوداً كبيراً ولكن ما تحتاجه قد يكون أبسط من ذلك بل أن إختيار برنامج أكثر تعقيداً قد يعطي نتائج أسوأ من البرامج الأبسط في بعض أنواع الأعمال، فلا يجب أن نجري وراء "الموضة".

مازلنا نقول أن الذكاء الصناعي ليس ذكاء بالمعني البشري وإن كان يظهر بعض الملامح التي نظنها ذكاء، ومازلنا نقول أن الذكاء الطبيعي أقوى كثيراً.

محمد زهران عضو هيئة التدريس بجامعة نيويورك فى تخصص هندسة وعلوم الحاسبات، حاصل على الدكتوراه فى نفس التخصص من جامعة ميريلاند الأمريكية، له العديد من الأبحاث العلمية المنشورة فى الدوريات والمؤتمرات الدولية، بالإضافة إلى الأبحاث والتدريس.. له اهتمامات عديدة بتاريخ وفلسفة العلوم ويرى أنها من دعائم البحث العلمى، يستمتع جداً بوجوده وسط طلابه فى قاعات المحاضرات ومعامل الأبحاث والمؤتمرات، أمله أن يرى الثقافة والمعرفة من أساسيات الحياة فى مصر.
التعليقات