مصرهم ومصرنا - رباب المهدى - بوابة الشروق
الجمعة 14 مارس 2025 9:05 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

مصرهم ومصرنا

نشر فى : الأربعاء 21 ديسمبر 2011 - 9:05 ص | آخر تحديث : الأربعاء 21 ديسمبر 2011 - 9:05 ص

فى نفس اللحظة التى كان يتحدث فيها ياسر البرهامى (من قيادات الدعوة السلفية فى الإسكندرية) بكلام صريح يحض على الفتنة الطائفية، كان جثمان الشيخ عماد عفت يرقد فى مشرحة القصر العينى على إثر استشهاده أمام مجلس الوزراء. البرهامى والشيخ عماد هما تلخيص للمعركة الدائرة فى مصر الآن، هما رمزان لمشروعين متناقضين لمصر الثورة. المشروع الأول يرى فى الثورة وسيلة لاستبدال النخبة الحاكمة مع الحفاظ على هياكل القوى الاقتصادية والسياسية لصالح النخبة الجديدة، ويبقى الصراع فقط حول إلباسها عباءة سلفية أو ليبرالية. وفى صلب هذا المشروع يبقى المجلس العسكرى وطبقة رجال الأعمال والوكلاء الاقتصاديين بآلتهم الإعلامية (سواء كانت قناة الناس أو سى بى سى) والمنتفعين من السلطة ومشتهيها من سياسيين ومثقفين. ومشروع آخر يمثله الشيخ عماد، يرى فى الثورة عملية ممتدة لتفكيك بنى القمع والظلم الاقتصادية والسياسية ويرى فى مضمونها وأهدافها أكثر من حصول التيارات الإسلامية على أغلبية فى البرلمان.

 

●●●

 

لم تكن ليلة الجمعة هذه هى المرة الأولى التى تستضيف فيها قناة فضائية أحد رموز التيار السلفى لتفرد له مساحة فى مناقشة إما زى المرأة، أو حكم السياحة والخمور، أو رأيه فى الأقباط. فمنذ ظهور حالة الهسترية الجماعية بين البرجوازية الليبرالية من نتائج الانتخابات والمناقشة تدور فى فلك البيكينى والنقاب، لم يتطرق الحديث أبدا لحقوق النساء فى مواصلات بدون تحرش وفى دخل كافٍ لـ ٣٠ فى المائة من الأسر المصرية التى تعولها امرأة، أو لحقوق العاملين فى قطاع السياحة من ساعات عمل آدمية وتأمينات وآمان وظيفى. وطبعا لا تتطرق المناقشة لحقوق أغلبية الأقباط فى وظائف والتعليم لائق أو أوضاع القرى والعشوائيات التى يسكنون فيها أو فى الموقف من مذبحة ماسبيرو. بل يصبح أغنى رجل أعمال فى مصر وكأنه ممثل لجموع الأقباط التى بالتعريف لا تشاركه نمط الحياة أو ذات الهموم، ويصبح مليونيرات شيوخ الفضائيات ممثلين لما يسمى التيار الإسلامى. وفى حين ينحصر الخلاف حول زى المرأة والخمور يبقى مضمون المشروع بين الطرفين، ومن خلفهم المجلس العسكرى واحد، مشروع يقصر التغيير السياسى على حرية الانتخاب ويتفق على تجريم حرية الاعتصام والإضراب تحت دعوى ما يسمى «الاستقرار» ــ دون أن نعرف أو نحدد ما هو وإذا كان قيمة فى حد ذاتها. مشروع يتفق فيه الأطراف الثلاثة (العسكر، وقيادات تيار الإسلام السياسى، ورموز الليبراليين) على الحفاظ على مكتسبات الأغنياء وعدم التطرق لحقوق الأغلبية من المصريين، عن طريق إعادة توزيع الثروة، لأن الكل مضار فى هذه الحالة سواء كان يملك قناة دينية أو مصنع خمور أو يشرف على صفقات تسليح ومصانع «حربية». مشروع ينشغل بقضية الحداثة والأصالة من منظور استشراقى بحت ويغفل فى نفس الوقت قضايا التحرر الوطنى واستقلال القرار.

 

وفى حين يدور هذا الصراع الشكلى فى داخل المشروع الأول يسقط شيخ لم يظهر على الفضائيات (الدينية أو العامة) قط، يسقط شهيدا فى اعتصام صغير نسيه حتى السياسيون. عالم دين بالتخصص، شارك فى المظاهرات من قبل سقوط مبارك، وحتى سقط شهيدا أمام مجلس الوزراء، مرورا بكل أيام ميدان التحرير واعتصام السفارة الإسرائيلية (الذى فضله على اعتكاف رمضان). ربط بين قضية الحرية السياسية والموفق من إسرائيل، وبين قضية المواطنة والحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وعرف أهمية التضامن مع الاعتصام حتى فى ظل وجود الانتخابات. لم يسأل لماذا يصر المعتصمين على الوجود أمام مجلس الوزراء لأنه عرف أن هذا حقهم (حتى وإن اختلف معهم) وعرف أننا فى ثورة تستخدم فيها وسائل عدة. لم يسأل من المخطئ ومن المصيب لأنه عرف بفطرته من يملك مفاتيح القوى وأدوات العنف الأشرس. لم يتصور أن الرأى العام الذى ما زال يسيطر عليه إعلام موجهه ممكن أو يجب أن يكون مجمع على شىء فى لحظة ثورية.  لم يرى فى الدين وسيلة لسلطة أو لمال ولكن وسيلة لمواجهة الظلم إيا كان شكله أو عباءته، ولم يستخدم الدين فى فتاوى التليفون الإسلامى والدعوى للقعود ولكن لتثوير المؤسسة الدينية.

 

●●●

 

استشهاد الشيخ عماد ومن معه كان حلقة من حلقات صراع ممتد بين المشروعين. فى هذا الصراع المجلس العسكرى ليس هو الطرف الوحيد وإن كان هو الطرف الظاهر. فهناك شبكة مصالح فيها رأس المال والمؤسسة الدينية (بطرفيها المسيحى والإسلامى) وأجهزة أمنية متعددة توحشت على مدى سنوات حتى أصبحت شبه مستقلة. لكل هؤلاء مصالح يدافعون عنها بشتى الطرق، بدءا من تسيد خطاب إعلامى يبحث عن إثارة معركة المايوه والنقاب وشيوخ يحضون على الفتنة ولا يجرؤون على مواجهة القتلة، والترويج لفضيلة الاستقرار بغض النظر عن الثمن، وإنتهاءا باستخدام التصفية الجسدية. وفى المقابل هناك مشروع تحرر إنسانى وطنى يضم طليعة ثورية غير منظمة وغالبية شعب من المهمشيين سياسيا واقتصاديا ولكنهم يملكون مفتاح القوى بكونهم أغلبية. ويظل العامل الحاسم بين المشروعين هى القدرة على تنظيم وإدارة المعركة على المدى الطويل.

 

سلام عليك يا عماد الدين يوم نزلت ويوم أستشهدت ويوم جعلت الأزهر يهتز من هتافات المسلميين والمسحيين ضد الحكم الظالم.

التعليقات