(التحرير) ما بين السلطة البديلة والسلطة المضادة - خالد الخميسي - بوابة الشروق
السبت 18 مايو 2024 3:37 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

(التحرير) ما بين السلطة البديلة والسلطة المضادة

نشر فى : الأحد 22 يناير 2012 - 9:00 ص | آخر تحديث : الأحد 22 يناير 2012 - 9:00 ص

خسرت الثورة صاحبة الفكر العقلانى والرؤية المستقبلية الجولة الأولى وانتصر فيها الفكر الغيبى صاحب الرؤية الرجعية والمحافظة. ولم يكن هذا الانتصار ناتجا ــ كما يروج البعض ــ لسوء إدارة المرحلة الانتقالية من قبل المجلس الأعلى للقوات المسلحة والمخابرات العامة المصرية، كما أنه لم ينتج عن اتخاذ هذا المجلس لقرارات عشوائية، أو أنه لقراره أن تكون الانتخابات التشريعية قبل الدستور، أو أنه قام بتأجيل الانتخابات الرئاسية بعد التشريعية، أو حتى لأن القوى السياسية تفتقد للخبرة نتيجة لتوقف الحياة السياسية لفترة الثلاثين عاما الأخيرة. ولكن خسرت الثورة الجولة الأولى لأنه كان هناك برنامج سياسى ذكى تم رسمه قبل رحيل مبارك وفق معطيات سياسية محلية وإقليمية ودولية موضوعية، واستطاعت المجموعة التى تنفذ هذا البرنامج من الاستفادة من القوى القائمة المعادية قبل المناصرة.

 

ما هى المعطيات السياسية العامة؟

 

أن الولايات المتحدة تستعمر مصر منذ انتصار 1973 ولها مصالح محددة فى مصر وفى المنطقة العربية ويجب عليها الدفاع عن مصالحها الاستراتيجية.

 

بدأت حكومة السادات ومن بعده مبارك فى حرب شعواء ضد الفكر العقلانى المصرى ودعم الفكر الغيبى بتخطيط ودعم كامل من الولايات المتحدة. وتحول السادات حينها من رئيس الجمهورية إلى الرئيس المؤمن والرئيس الأب. وشاهدنا منذ عام 1973 طرد المفكرين المصريين خارج مصر (القائمة تطول ولكن من السهل لمن يريد البحث أن يجد الجماعات التى سافرت إلى العراق والكويت ولبنان وفرنسا وإنجلترا وغيرها من الدول) ومن ناحية أخرى عودة أصحاب الفكر الغيبى من السعودية أساسا وفتح القنوات الإعلامية لهم.

 

بتراجع دور مصر من قيادة الإقليم العربى وترك السعودية تحتل هذا الدور بدعم أمريكى، وعلاقات سعودية أمريكية شديدة الخصوصية، قامت السعودية ــ عن طريق التمويل المباشر وعن طريق ضرب الثقافة المصرية وفتح منابر إعلامية سعودية ــ بدعم الفكر الظلامى والغيبى. واستطاعت هذه القوى الرجعية فى مصر بتمويل غير مسبوق فى العمل فى مجالات التعليم والعمل الخيرى والدعوى والإعلامى ثم فى المجال النقابى.

 

كان من الجلى منذ تفجر الثورات العربية أن البديل الأمثل للمستعمر الأمريكى وللسعودية وكذلك لدول الخليج البترولية بتنويعاتها المختلفة هو سيطرة التيارات السياسية التى تتحدث باسم الدين فى جميع الدول العربية ونجد جريدة الشروق تنشر يوم 5 مارس بعد واحد وعشرين يوما من رحيل مبارك عن الواشنطون بوست أن «إدارة أوباما تستعد للتعامل مع الإسلام السياسى». بالطبع نحن نعلم أن الإدارات الأمريكية المختلفة تتعامل مع الإسلام السياسى منذ بداية القرن العشرين وتعتبر الحكومات الإسلامية فى دول الخليج وكذلك فى باكستان من أكثر الحكومات قربا من الولايات المتحدة، ومن الخطر عليها وعلى إسرائيل وعلى القوى الرجعية العربية وعلى رأسها السعودية صعود قوى ثورية لتتبوأ مركز الصدارة فى المشهد العربى.

 

تحتاج الولايات المتحدة إلى تأكيد دعمها للديمقراطية وبالتالى كان يجب صياغة مشروع سياسى يدعم صعود الإسلاميين ولا يخرج القوات المسلحة الحاكمة فى مصر من المعادلة أو الملك من المغرب وكل حسب ظروف دولته.

 

●●●

 

هل معنى هذا أننا القيادات السياسية العربية مفعول بها تماما وأنها تستجيب بلا حول لأوامر الولايات المتحدة؟ لا أظن أن ذلك صحيحا. فمصالح الولايات المتحدة إزاء الثورات العربية تشابكت مع مصالح السعودية وقطر والكويت، وكذلك هى نفس مصالح القوى المالية المهيمنة، ونفس مصالح المصارف التى باتت هى المحرك الرئيسى لقرارات الحكومات المختلفة. وكذلك ما تم حتى الآن فى مصر يعبر عن ضفيرة المصالح المركبة والتوجهات الفكرية والطبقية للمؤسسة العسكرية المصرية، وكذلك موقفها من قضية التوريث، وأيضا الموقف الأيديولوجى للمجلس العسكرى وهو موقف بالطبيعة محافظ ورجعى ومضاد للثورة. وهذا الأمر لا يشكك من وطنيتهم وإخلاصهم من أجل مصلحة الوطن من وجهة نظرهم.

 

ماذا يمكن أن نفعل لكى تستكمل الأفكار الغيبية سيطرتها وتحصل القوى الرجعية على سلطة سياسية وتحتفظ القوات المسلحة بثروتها وسطوتها فى النظام المصرى القادم؟

 

التركيز والرهان على ما يطلق عليه بالأغلبية الصامتة. أو ما يطلق عليه فى العلوم السياسية بالكتلة العائمة (أى التى تتحرك يمينا ويسارا دون قناعات فكرية مسبقة). وهو مصطلح تم استحداثه عام 1948 أثناء تحليل الانتخابات الأمريكية. وهذه الأغلبية الصامتة أو الجاهلة لا علاقة لها بحال مصر أو بحال الدول العربية كما يزعم البعض، وإنما تشكل هذه الكتلة، أو هذا الناخب العائم أهمية قصوى فى كل دول العالم دون استثناء. لا شك أن نسبتها تختلف من دولة إلى أخرى. وقد قام العديد من المفكرين السياسيين بتحليل حركة هذه الكتلة العائمة وأدرك الجميع أنها بالتأكيد كتلة لا علاقة لها بالحراك الثورى.

 

دفع هذه الكتلة للذهاب إلى صناديق الاقتراع ولم يكن هناك أجمل من إعلان أن هناك غرامة قيمتها خمسمائة جنيه سوف يدفعها من لا يذهب للانتخاب.

 

ضبط الترتيب الزمنى للدستور والانتخابات التشريعية والرئاسية بما يناسب شبكة المصالح السياسية والاقتصادية للقوى الموضوعية القائمة.

 

الضغط على القوى الثورية بشتى السبل وتشويه صورتهم والقبض عليهم والزج بهم فى السجون والتوسع فى الأحكام العسكرية والإفراج فى المقابل عن القوى الرجعية الذين احتلوا المشهد الإعلامى بالكامل.

 

ضبط النظام الانتخابى بما يخدم هذه المصالح.

 

دفع الاستقطاب الدينى إلى أقصى مداه.

 

الترويج لفكرة أن نتائج الانتخابات تمثل الشرعية وكذلك تمثل الديمقراطية. متناسين مهزلة النظام الانتخابى وعدم الالتزام بضوابط التمويل، ومأساة استخدام المنابر الدينية للترويج للعملية الانتخابية واستمرار قانون الطوارئ، وعدم وجود نظام حقوقى واضح، واللعب على مشاعر العشائرية والقبلية والعائلية فى العملية الانتخابية. إلى آخره من مهزلة متكاملة الأركان، وكانت أهم نقطة هى إجراء انتخابات فى ظل سيطرة المجلس الأعلى للقوات المسلحة على جميع السلطات، الأمر الذى ينفى من الأساس البيئة الديمقراطية التى جرت فيها الانتخابات.

 

ماذا تبقى لسلطة التحرير فى إطار هذه المأساة؟

 

فشلت القوى الثورية فى تشكيل سلطة بديلة. كما فشلت الثورة أن تفرض مجلسا رئاسيا مدنيا حاكما. كما فشلت فى طرح بديل سياسى واضح يحصل على فرصته، واستسلمت للطرح الرجعى المفروض من القوات المسلحة المصرية والقوى الرجعية والولايات المتحدة، والممثل فى النظام الحزبى والديمقراطية التمثيلية.

 

انضم للمشروع الديمقراطى الوهمى رجال كان من المفترض أنهم من ضمن القوى الثورية وأصبحوا تدريجيا البوق الليبرالى للرجعية المصرية بكفاءة منقطعة النظير.

 

ولم يتبق للحركة الثورية الآن إلا أن تشكل السلطة المضادة لما هو قائم.

 

يجب منع استعمال شعار: «يسقط حكم العسكر». فبالإضافة إلى أنه شعار لا معنى له، لأن المجلس الأعلى للقوات المسلحة جزء من منظومة موضوعية قائمة ومركبة. فلا يعنى تسليم المجلس العسكرى السلطة التشريعية لبرلمان شكله بيده، والسلطة التنفيذية لرئيس سوف يأتى به مع شركائه المحليين والإقليميين والدوليين، أنه ترك الساحة. فالمطلوب ليس سقوط العسكر. لأنهم سوف يسلمون السلطة إلى برلمان ورئيس وسوف يبدو هذا انتصارا للثورة وبالطبع لن يكون كذلك.

 

●●●

 

المطلوب أن يعمل معسكر الثورة على استحداث وطرح بدائل سياسية حقيقية ومرتبطة بالواقع السياسى والاقتصادى المصرى والعربى والعالمى. عليه ألا يتعجل الآن فى إطلاق صراخ لا طائل منه وإنما التروى للعمل على تجميع الصفوف وطرح برامج حداثية ومستقبلية والعمل على مشروع سياسى طويل المدى.

 

المطلوب إعمال الخيال فى تبنى رؤية سياسية جديدة لإدارة البلاد بعيدا عن الديمقراطية التمثيلية والنظام الحزبى الذى يموت فب العالم كله.

 

المطلوب بدء تشكيل سلطة مضادة حقيقية فى 25 يناير، والعمل التدريجى على تحولها إلى السلطة البديلة المأمولة.

خالد الخميسي  كاتب مصري