تأتى عملية تحرير الجنود المختطفين، درسا بليغا لكل من لا يفهم ماذا تعنى الدولة ومؤسسات الدولة، والتعاون بين هذه المؤسسات، وحينما نقول إن مصر بلد مؤسسات فهذه من الحقائق التى يجب أن يعيها الجميع، حتى لو حاول البعض إسقاط معانى سيئة حولها، فمصر دولة لم تولد أمس، ولم يجدها أحد بجوار الحائط، بل دولة لديها منظومة كاملة من القيم، وتقف على أعمدة راسخة من مؤسسات وطنية عظيمة صاحبة تاريخ طويل، والمطلوب فقط أن يعترف من بيده الأمر أن إدارة شئون البلاد تحتاج كافة مؤسساتها الأمنية والعسكرية والمدنية، وهذا ما حدث بالضبط فى عملية تحرير الجنود المختطفين، التى حافظت على سلامة وحياة سبعة مصريين، وحينما تبذل الدولة مثل هذه الجهود من أجل الحفاظ على الحياة، فالتحية واجبة لكل من ساهم بإخلاص فى نجاحها.
فى المقابل، كان بعض رجال السياسة، يتحدثون بعدم مسئولية، رغم وجود أنصارهم فى سدة الحكم، مع التشكيك فى قدرة مؤسسات الدولة على التعامل مع مثل هذه الأحداث، وهى مواقف سياسية رديئة صنعها الإستقطاب الذى يجرى العمل على قدم وساق من أجل تعظيم وجوده فى البلاد، ونشره بين العباد، ولا توجد قصة أفضل من قصة قانون السلطة القضائية لفهم ذلك الإستقطاب الحارق لكل أخضر ويابس، وكانت الإشارات المخزية للتشكيك فى قدرة بعض المؤسسات كاشفة للمستوى المنحط، الذى وصل إليه الصراع السياسى، ولا يرغب أحد، جادا ومخلصا، فى العمل على تهدئة الأمور بين القوى المختلفة، وكأن تأجج الصراع هدف فى حد ذاته، حتى ولو على حساب موقف عصيب مثل عملية خطف الجنود، فالبعض أشار إلى أصابع حماس فى العملية، بينما أعلن رجال حماس أن «فتح» هى التى خطفت الجنود وحددت بالاسم، أن محمد دحلان هو من يقف وراءها.
لكن، بين كل ذلك الركام، يبقى ذلك الأب الوطنى المصرى العظيم، والد أحد الجنود المختطفين، الذى أعلن تضحيته بابنه، حفاظا على مصر وهيبتها، وأن كل ما يريده هو جثة فلذة كبده، واعتباره شهيدا طالما أن ذلك لن يحنى قامة بلاده، وهو هنا رجل لا يثرثر مثل الساسة، لكنه يضحى بأغلى ما يملك، وبأثمن ما فى الحياة من أجل بلاده، وهو موقف يؤكد لنا أن هذا الشعب صاحب حضارة وتاريخ، لأن من يفكر فى مثل هذه المبادلة، ابنى بعلو هامة وطنى، هو ينتمى لشعب لا يمكن أن ينكسر أو يهزم طويلا، وأعتقد أن موقف هذا الأب يستحق منا التقدير والوقوف طويل أمامه، واحترامه، بأن نعامل هذا الشعب بقدر ما يستحق فعلا.