مدخل الاستقلال الوطنى والقومى - علي محمد فخرو - بوابة الشروق
السبت 4 مايو 2024 10:55 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مدخل الاستقلال الوطنى والقومى

نشر فى : الأربعاء 24 أبريل 2024 - 6:55 م | آخر تحديث : الأربعاء 24 أبريل 2024 - 6:55 م

خلال الأسابيع الماضية أبرزنا الأهمية القصوى لمداخل الوحدة العربية التضامنية، والانتقال التراكمى إلى الديموقراطية السياسية والاقتصادية العادلة، وترسيخ مبدأ وقيم ومتطلبات العدالة الاجتماعية، التى طرحها المشروع النهضوى العربى كطريق للخروج من حالة الضعف والتمزق والاستباحة الخارجية والتخلف التاريخى التى يعيشها الوطن العربى حاليا. وأكّدنا مرارا وتكرارا للجيل الشاب القادم بأنه سيكون من شبه المستحيل الخروج من تلك الحالة المريضة دون تفعيل تلك المداخل من قبل نضال جماهيرى عربى تضامنى تقوم به قوى المجتمعات المدنية العربية فى صورة كتلة تاريخية عربية، هى الأخرى وحدوية تضامنية.

اليوم نود إبراز المدخل الرابع فى المشروع النهضوى العربى الذى لا يقل أهمية عن أى من المداخل الثلاثة: إنه مدخل الاستقلال الوطنى على مستوى القطر والاستقلال القومى على مستوى الوطن العربى.

إن الأمة العربية تواجه نوعين من الاستعمار الذى يقوّض ركائز الاستقلالين الوطنى والقومى، وهما الاستعمار الصهيونى والاستعمار الكلاسيك. أما الاستعمار الصهيونى فيقوم على هدف اجتثاث الوجود العربى فى فلسطين، شعبا وتاريخا وثقافة ودينا وحضارة، وإبداله بوجود يهودى صهيونى صرف. ولعل وضوح هذه النيّة كان على العرب أن يعوها بعد أن رفض الكيان الصهيونى المبادرة العربية التى طرحها العرب منذ حوالى خمس وعشرين سنة والتى احتوت على تنازلات لا حصر لها ولا عد فى سبيل حلّ الموضوع الفلسطينى بشكل قانونى وعادل. ومع ذلك، وبصلف واستعلاء بل وبعنجهية واستهزاء سنة بعد سنة، رُفضت تلك المبادرة من قبل الكيان الصهيونى، بالرغم من تجديد عرضها من قبل العرب المرة تلو المرة.

وهنا نحن الآن نواجه مذبحة غزة أمامنا وندرك أن هذا الاستعمار لن توقفه قوانين دولية ولن تحكمه قيم أخلاقية إنسانية، ولن يقبل بأقل من أسطورة «إسرائيل الكبرى» وما تنطوى عليه من ادعاءات دينية وتاريخية كاذبة، ومن هيمنة شاملة على الشرق الأوسط برمّته.

بالتالى لا حاجة للدخول فى تفاصيل موضوع أصبح عبر الثمانين سنة الماضية كابوسا أمنيا وسياسيا وثقافيا ووجوديا لا يسمح لهذه الأمة أن تلتفت إلى أى شىء سوى مواجهته ومواجهة القوى الاستعمارية الغربية التى تسنده وتغذّيه، وذلك على حساب التنمية العربية فى كل الحقول.

هذا الاستعمار الصهيونى واضح وضوح الشمس، بينما إشكالية رجوع الاستعمار الكلاسيكى تتخفّى خلف ألف قناع وخدع وتسميات. فالغالبية من الأنظمة العربية قد قبلت إما برجوع الجيوش الأجنبية فوق أراضيها، متعللة باسم ضرورات الأمن المشترك مع دول الاستعمار السابقة، وإما ارتضت أن تُخضع الكثير من ملفّات الأمن والاقتصاد والسياسة لشروط وإملاءات مؤسسات العولمة التجارية النيوليبرالية.

وبدلا من أن يواجه العرب، بصور قطرية عاجزة، ذلك التدخل والوجود الاستعمارى بصورة تضامنية كفؤة، أصبحوا دولا تهرب إلى الأمام وتلوم بعضها البعض أو توجه الاتهامات إلى هذه الجارة المسلمة أو تلك. ودخلت كل مماحكات الطائفية والعرقية والمناطقية فزادت قتامة الصورة وبؤسها.

لم يقتصر ذلك العجز ولا تلك الأخطاء والخطايا على أنظمة الحكم وإنما شملت مواقف وتصرفات وخطابات الكثير من مؤسسات المجتمع المدنى، والكثير من الموتورين الحمقى الذين يسيئون يوميا استغلال شبكات التواصل الاجتماعى الإلكترونية. وأصبح المجال مفتوحا لمجانين الجهاد التكفيرى الإرهابى ليدخلوا الساحة وليصبحوا أهم المجنّدين بالوكالة من قبل قوى الاستعمار المختلفة.

مثل هكذا استعمار صهيونى وكلاسيكى وما بعد حداثى، مترامى الأطراف، مهيمن على قوى المال والإعلام الدولية، مبرّر من قبل مراكز بحوث ودراسات مدّعية الاستقلالية ومدفوعة الأجر.. مثل هكذا استعمار هل يمكن مواجهته من قبل قوى نضالية قطرية متباعدة محدودة العدد والإمكانيات؟ الجواب القاطع هو كلا.

لن تنجح، فى اعتقادنا، مواجهته إلا بوجود مشروع نهضوى عربى، يحتوى على مداخل أساسية مشتركة مثل الذى عرضنا وسنعرض، تتبنّاه قوى نضالية تضامنية عربية موحدة الأهداف القومية ومتناسقة الوسائل النضالية.

شابات وشبان هذه الأمة يحتاجون أن يعوا ذلك بكل عمق ويأخذوه بعين الاعتبار فى كل حراك نضالى ثورى أو سلمى مستقبلى، وإلا فإننا سنظل ندور فى الحلقة المفرغة التاريخية؛ حلقة الهبّات ثم العجز أمام الأهوال التاريخية التى عاشتها وتعيشها الأمة العربية. 

علي محمد فخرو  شغل العديد من المناصب ومنها منصبي وزير الصحة بمملكة البحرين في الفترة من 1971 _ 1982، ووزير التربية والتعليم في الفترة من 1982 _ 1995. وأيضا سفير لمملكة البحرين في فرنسا، بلجيكا، اسبانيا، وسويسرا، ولدي اليونسكو. ورئيس جمعية الهلال الأحمر البحريني سابقا، وعضو سابق المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة العرب، وعضو سابق للمكتب التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات الوحدة العربية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات فلسطينية. وعضو مجلس إدارة جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبييشغل حاليا عضو اللجنة الاستشارية للشرق الأوسط بالبنك الدولي، وعضو في لجنة الخبراء لليونسكو حول التربية للجميع، عضو في مجلس أمناء الجامعة العربية المفتوحة، ورئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث.
التعليقات