عندما «يتعكشن» من كان يعتبر نفسه مثقفا ومفكرا وطنيا بارزا، ويردد خطابا يطير البط ويعوم اليمام من فرط تهافته وتناقضه عليك أن تنبش فى ذاكرتك وتفتش فى أرشيفك عن كلمات ومواقف لكبار بحق مروا فى حياتنا مثل عبدالوهاب المسيرى ومحمود عوض ومحمد سيد سعيد.
واحد من هؤلاء «المتعكشنين» العائدين من حملة دعم أحمد شفيق كتب مقالا فى الصحيفة الكبرى قبل نحو شهرين ألح على كاتب هذه السطور فى قراءته وإبداء رأيه لأنه على حد قوله سلخ المجلس العسكرى فيه، من خلال حدوتة علقت فى ذاكرته منذ أيام الشباب، عن تكتيكات لصوص أتوبيسات النقل العام، حين كان الحرامى من هؤلاء يصعد الأتوبيس لنشل الركاب ثم وبينما هو يهم بالنزول مهرولا يصرخ «حراااااااامى» فيهرول الجميع بلا تفكير فى الاتجاه الذى يشير إليه النشال الحقيقى، لينعم الأخير بالأمن والأمان ويفوز بما نشل.
هذا الذى كان يطرح نفسه مثقفا ثوريا نوريا، وتسلق يوما منصات الهتاف فى ميدان التحرير، قرر فجأة أن يناضل فى الصفوف الخلفية لحملة الجنرال مرشح الثورة المضادة، متشحا بطنين أجوف عن مدنية الدولة وديمقراطيتها واستنارتها، ثم وقف فى مؤتمر ساويرس أمس مدافعا عن «العسكرة» ومقاتلا من أجل تمرير ما أجمعت الأمم على وصفه بالانقلاب الناعم وفى رواية أخرى الانقلاب الأبيض، بينما هو فى حقيقة الأمر لا يبتعد عما تفاخر صاحبنا الثورى النورى المعتزل بكتابته على ضوء حدوتة نشال الأتوبيس.
والحاصل أن كثيرين يرتدون الآن «قميص المدنية» ليس حبا فيها وإنما تزلفا للعسكرية، لأنهم لو كانوا مدنيين حقا لعرفوا أنه لا يستقيم أن تزعم أنك مدافع عن المدنية وفى اللحظة ذاتها تعمل فى آلة الدعاية لجنرال عسكرى.
ومن عجب أن بعضا ممن كانوا يطالبون مرشح الإخوان بضمانات واضحة لكى لا يتجهوا لدعم الجنرال يبدو وكأنهم أصيبوا بالصدمة بعد مؤتمر مرسى وعدد من الشخصيات المحترمة أمس الأول والذى توصل فيه الجميع إلى بيان مكتوب أذيع عبر الفضائيات وشهد عليه العالم أجمع يعلن فيه محمد مرسى حال وصوله للرئاسة التزامه بمدنية الدولة وعدم الاقتراب من المادة الثانية من الدستور، ورئيس حكومة من خارج حزبه وتياره، ونواب رئيس ليسوا من الإخوان، والسعى لتغييرات فى تشكيلة الجمعية التأسيسية الخاصة بالدستور.
وأزعم أن هذه هى الضمانات التى كانت تطالب بها القوى السياسية كشرط للاصطفاف خلف مرشح هو الأقرب للثورة من منافسه الذى يعلن عداءه الصريح لها، وقد قبل بها مرسى بعد انتهاء السباق واقترابه من حسم النتيجة، غير أن المفاجئ هنا هو هذه الحالة من الانزعاج والتلمظ لأن اتفاقا جرى على مشروع شراكة وطنية معلن ومكتوب.
ويدهشك أكثر أن نفرا ممن كانوا ينشطون فى الوصول إلى حالة مصالحة وطنية شاملة، يؤلمهم ويفقدهم صوابهم أن يحدث وفاق واتفاق داخل معسكر شركاء الثورة ذاته، فعن أى مصالحة يتحدثون؟
لقد بلغت «العكشنة» قمتها لدى بعضهم حين امتشقوا السيوف فجأة معلنين الكفاح ضد ما أسموه الهيمنة والتدخلات الأمريكية فى الشأن المصرى، فى مشهد يذكرك بوقائع معركة الدكتورة فايزة والقائد جنزورى ضد التمويل.. وفى خلفية المشهد إعلام «متعكشن» من رأسه حتى قدميه يطلق صيحات الحرب على أمريكا والغرب الإمبريالى.. والنهاية أظنك سيد العارفين بها واسأل السيد المحترم عبدالمعز.