هل قامت الثورة من أجل خلع مبارك كشخص؟
البعض يعتقد أن هذا كان الهدف، وعند هذا النقطة لابد أن تكون النهاية، وعندما يضاف عليه محاكمة مبارك ورموزه تجد من يصرخ فى وجهك: «عاوزين إيه تانى».. والحقيقة أن شخص مبارك لم يكن يعنى شيئا فلم يكن خروج الملايين للمطالبة برحيلة تعبيرا عن كراهية شخصية للرجل، بقدر ما هو إدانة لسياسات يمثلها، وثقافة لم يخترعها لكنها دعمها وتركها تتوغل فى المجتمع حتى تسيدت وأفقدت كل شىء معناه الحقيقى، من معانى الديمقراطية وحقوق الإنسان واحترام القانون، وحتى مفهوم الشرف نفسه.
كانت هذه السياسات محور الأزمات التى تراكمت حتى بلغت بالغضب ذروته فى ميادين التحرير، وكان مبارك هو رمز هذه السياسات وصاحب قرارها، لكن حوله كان هناك صناع لهذه السياسات ومشاركين فيها، تختلف مساحة كل شخص من المشاركة لكن يبقى فى النهاية أن كل من كان قريبا من إذن النظام كان شريكا فى هذه السياسات.
وعندما يحاول أحد أن يقنعك أن الثورة انتهت بخروج مبارك، أو يدس لك سما فى عسل، من شاكلة هدم النظام وليس هدم الدولة، واعتبار كل غضب توجهه نحو بقايا النظام أو سياساته التى كانت ومازالت حاكمة، بأنها محاولة منك لهدم الدولة، ورفع هذه الفزاعة فى وجهك كلما حاولت أن تشير إلى أن مبارك وثقافته وذهنيته وربما أخلاقه مازالت حاكمة ومتحكمة.
أصارحك أن الأزمة تتجاوز الإدارة الحالية للبلاد، التى من الطبيعى أن تكون «ثقافة مبارك» جزء من تكوينها بحكم النظام الذى أنتج هذه الإدارة فى النهاية والذى كان متعايشا مع مبارك وسياساته طوال الثلاثين عاما، بكثير من التأييد المعلن، وقليل من المعارضة المكتومة، لكن الأمر يتجاوز السلطة إلى المعارضة، فهى الأخرى تربت داخل الإطار العام لثقافة مبارك وأخلاقه، فتعلمت حيله ووسائله وألفت التعاطى مع أجهزة أمنه، وخرجت فى أغلبها من إنتاج هذه الأجهزة، أو حتى ألفت التعاطى معها، فطغت أخلاقها عليها.
ثقافة مبارك وأخلاقه إذن لا تحكم السلطة فحسب، ولا الحكومة التى تستخدم ذات آليات حكومات مبارك فى التصدى للمشكلات، فهى من ناحية لم تألف غير هذه الوسائل التى تشاهدها تطبق طوال ثلاثين عاما، أى أنها فى النهاية جزء من الخبرات العامة، ومن ناحية أخرى هى أقل قامة من القيادة السياسية، ليس فقط بسبب صلاحيات منقوصة، ولكن بسبب صورة ذهنية موروثة أيضا من ثقافة مبارك وأخلاقه، ولديك كذلك ذات المعارضة فى مكوناتها الأساسية، التى تنافق المجلس العسكرى بذات الوسائل والآليات، وحين تعارضه جهرا يكون التفاهم معه سرا قائما، تتصدى لتحركات الشارع، وتؤيد الطوارئ ومد فترة حكم العسكر، ولا تنسى أنها كذلك خرجت من رحم ذات النظام الذى خرجت منه السلطة.
نجاح الثورة يتطلب إذن إسقاط سياسات مبارك، وليس إسقاط مبارك كشخص، القضاء على ثقافته وأخلاقه، وعلى معارضته التى صنعها بيديه، ومازالت عاجزة عن التحرر حتى بعد رحيله وتحاول إنتاج غيره لتتمسح فيه، رغم ادعائها القوة والشعبية.
عندما تدعو إلى حكم جديد.. بلا شركاء مبارك ولا بقايا حزبه ونظامه، وبلا معارضته أيضا، حكم يقطع كل خطوط الاتصال مع ثقافة مبارك وأخلاقه، فأنت لا تدعو إلى هدم الدولة، لكنك تطلب نظاما جديدا.. ومن شاركوا فى صنع الاستبداد لا يمكن أن ينجحوا فى صنع الحرية.. لهذا يسمونها ثورة.. ثورة..!