الحنين إلى العسكرة - وائل قنديل - بوابة الشروق
الثلاثاء 30 أبريل 2024 10:28 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الحنين إلى العسكرة

نشر فى : الأربعاء 24 أكتوبر 2012 - 8:35 ص | آخر تحديث : الأربعاء 24 أكتوبر 2012 - 8:35 ص

 فجأة انفتحت السيرة فى شئون الجيش المصرى، على نحو غير مسبوق، إذ لم تكن المؤسسة العسكرية المصرية مستباحة فى شئونها الداخلية مثل ما يحدث هذه الأيام.. لقد صارت شئون الجيش مادة سهلة لبرامج التوك شو والصحافة الخاصة، حتى إن بعضهم أسهب فى الحديث عن إمكانيات سلاح الجو واحتياجاته من المال والعتاد على الهواء مباشرة، وكأنه يتحدث عن معسكر منتخب الناشئين.

 

غير أن ما يلفت النظر أكثر أن المؤسسة العسكرية تبدو راضية ومرتاحة لهذا الاقتراب الحثيث من أمورها وأسرارها، خصوصا أن هذه الحملة المفاجئة تنتهى دائما إلى أنه لا يجب الاقتراب أبدا من اقتصاد العسكر،  والحجة الجاهزة أن للمؤسسة العسكرية احتياجات مالية ضخمة سيكون توفيرها صعبا لو أنها تخلت عن نظرية «عرقنا الذى سنقاتل من أجله إذا اقترب منه أحد»

 

و أزعم أنه فى ظروف أخرى كان خبر عادى عن القوات المسلحة كفيلا بالإطاحة بصحفيين ورؤساء تحرير، ومدعاة لخشونة شديدة مع الصحيفة، وأذكر أنه فى تسعينيات القرن الماضى كان الفريق أول محمد فوزى رحمه الله قد أصدر مذكراته فى كتاب تم توزيعه على نطاق واسع،  وبعد سنوات من طرحه فى الأسواق استعنت بفصل منه للنشر فى صحيفة «العربى» بمناسبة الحديث عن حرب الاستنزاف، وكانت المفاجأة أن المؤسسة العسكرية غضبت أشد الغضب وساءلت الجريدة لأنها تنشر مادة عسكرية محظور نشرها إلا بموافقة كتابية من الشئون المعنوية على كل سطر فيها.

 

وعليه فإن ما يدور الآن من جدل صاخب حول أدق الشئون الداخلية للمؤسسة العسكرية يبدو باعثا على القلق، خصوصا عندما يلوح البعض بغضب فى الجيش، وتبرم من مؤسسات الدولة الأخرى، إذ يعد ذلك نوعا من اللعب بالنار،  لا ندرى هل هو اجتهاد شخصى من أصحابه، أم أننا عدنا إلى صحافة الحمام الزاجل،  تلك التى تحمل رسائل من هنا إلى هناك مع إخفاء مصادرها؟

 

لقد كان تناول المؤسسة العسكرية فى مستوياتها العليا عملا عاديا بل ومطلوبا عندما كان المجلس العسكرى حاكما للبلاد ومهيمنا على السلطتين التشريعية والتنفيذية فيها،  وكان انتقاده ومهاجمته واجبا عندما كانت المذابح ترتكب فى حق الثورة والثوار تحت إدارته للمرحلة الانتقالية.. أما وقد بدأت الأمور تعود إلى نصابها بعودة القوات إلى ثكناتها، ووجود سلطة تنفيذية منتخبة، فإن الكلام عن المؤسسة العسكرية ينبغى أن يكون بحساب، إذ لا يحدث فى أى مكان فى العالم أن تتحول أدق تفاصيل القوات المسلحة وفروعها وميزانياتها مادة تلوكها الألسنة على الشاشات.

 

ولا معنى لهذا الإفراط فى تناول المؤسسة العسكرية إلا أن البعض يتحرق شوقا لتلك الأيام التى كان «العسكر» فيها أصحاب الحل والعقد والمنح والمنع، متصورا أن هذه ورقة مهمة فى سياق محاولات تهدف إلى إحراق هذه المرحلة والعودة إلى نقطة الصفر.

 

ويثير الدهشة أن بعضهم استقبل شائعات انقلاب عسكرى مزعوم فى تونس بكثير من البهجة والارتياح، وكأن حالة نكوص ثورى استبدت بقطاع من الناس فصاروا على استعداد لإحراق ما تحقق من مكتسبات الثورة نكاية فى فصيل آخر.

 

وربما لا ينفصل المشهد كله عما يجرى فى حروب الدستور القادم،  وطموح كل جهة فى انتزاع مزايا لها فيه، أو على أقل تقدير الاحتفاظ بما كان لها قبل ثورة ٢٥ يناير.

 

ومن عجب أن بعضا ممن ساروا فى مظاهرات وباتوا فى اعتصامات تهتف «يسقط حكم العسكر» يشاركون فى عزف المارشات العسكرية الآن.

 

توضيح

 

الشاب الثائر مهند سمير تم الإفراج عنه مساء أمس الأول بعد أن طبع عدد الجريدة الصادر أمس بساعات، بما بدا معه أن المقال خارج الزمن كما تفضل بعد القراء الظرفاء بالتعليق، لذا وجب التنويه..

 

وائل قنديل كاتب صحفي