إحياء الاقتصاد المصرى يستغرق سنوات.. وسينجح - محمد العريان - بوابة الشروق
السبت 28 سبتمبر 2024 6:29 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إحياء الاقتصاد المصرى يستغرق سنوات.. وسينجح

نشر فى : السبت 25 مايو 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : السبت 25 مايو 2013 - 8:00 ص

عندما يعانى اقتصاد ما، كما يحدث الآن للاقتصاد المصرى، فمن الطبيعى أن يتطلع إلى الخارج بحثًا عن «النموذج» المنقذ. ورغم أن المقولة الأكثر شيوعًا فى مصر حاليا هى شىء من قبيل: «لو كنا س أو ص، لحُلت جميع مشكلاتنا»، فإنه من غير الممكن أن تصبح مصر بلدا آخر. والأهم من ذلك هو أن هذا غير مطلوب. ولكن هناك أهمية لأن نستوعب جيدًا «الممارسات الواعدة» للبلدان الأخرى، وأن نستخدمها لإحياء الاقتصاد المصرى وليس لاستبداله.

 

ومن خلاصة أكثر من 30 عامًا قضيتها فى التعلم من تجارب الدول المختلفة، أقدم  قائمة موجزة من أربعة تجارب أعتقد أنها يمكن أن تعظم من المزايا الكبيرة التى تملكها مصر، وأن تساعد فى إعادة بناء الاقتصاد وتحقيق الأهداف الأصيلة والمشروعة لثورة الخامس والعشرين من يناير.

 

ولنبدأ بالصين. أحد الأمور أكثر إبهارًا بشأن معجزة هذا البلد الاقتصادية، والتى استمرت عبر عدة عقود، هى قدرة الحكومة على الجمع بين التحديد الواضح للهدف الاقتصادى والقدرة على تصحيح المسار بشكل براجماتى على طول الطريق. هذا العامل كان مفتاحاً لانتشال ملايين وملايين الصينيين من الفقر، والحفاظ على معدل نمو مرتفع، والتحول لثانى أكبر اقتصاد فى العالم.

 

تشارك الأغلبية العظمى من الشعب الصينى الحكومة فى الرؤية الاقتصادية. وتخدم هذه الرؤية، التى أوضحتها الحكومة وأعادت توضيحها مرات ومرات بلغة مفهومة للمواطنين العاديين، استقرار أنشطة الأفراد والشركات والحكومة. ومع ذلك لا تسعى الحكومة لتحديد كل خطوة يمكن أن توصل هذه الرؤية. بل إنها تحدد الخطوات القليلة الأولى، وبعد ذلك تكون على استعداد لاستيعاب المعلومات والتعلم من كل من التجارب الداخلية والخارجية. ورغم أن الحكومة تصحح مسارها حسب الحاجة، فإن الهدف الاقتصادى النهائى لا يغيب عن ناظريها أبداً.

 

أما التجربة الثانية فهى الولايات المتحدة، حيث يلعب تمكين ريادة الأعمال والابتكار دور محوريا فى الإسراع بحركة التنمية الاقتصادية، ومساندة الحراك الاجتماعى، وتعزيز إنتاجية البلد. ولكى يتحقق ذلك مرارًا وتكرارًا، ومن جيل لآخر، يحتاج النشاط الاقتصادى لأن يكون مدعوما بقاعدة قوية من حكم القانون، وحقوق ملكية واضحة، وأسواق التى تعمل بشكل جيد وتخصص الموارد بكفاءة.

 

بما أن الأسواق يمكن أن تفشل من حين لآخر، وهذا يحدث بالفعل، فسوف أذهب للدول الإسكندنافية فى شمال أوروبا التى تركز تجاربها على كفاءة وعدالة شبكات الأمان الاجتماعى. وتبين تجربة تلك البلاد أن الاختيار الذى يواجه الدول لا يكون بين النمو والمساواة أو إعادة التوزيع. فكلاهما يمكن، بل ويجب، الجمع بينهما. والأمر يتعدى شبكات الأمان المتينة ونظام الرعاية الاجتماعية القوى، إنه يتعلق بتحقيق تماسك اجتماعى متين.

 

وأود الانتهاء بتجربة الدول الآسيوية الصغيرة، التى فهمت جيدًا أن التفاعلات الذكية مع الاقتصاد العالمى توفر لها فرصة تسريع جهود التنمية الوطنية، كما توفر لها القدرة على الوصول إلى أسواق أكبر بكثير، وتسمح لها باستيراد التكنولوجيا المناسبة والممارسات الإدارية التى تحسن الكفاءة والإنتاجية الوطنية إذا ما تم تعديلها لتناسب الظروف المحلية. والأثر العام لهذه السياسات هو تيسير حدوث قفزات كبيرة فى التنمية. ولتحقيق ذلك، تقوم الدول بتمكين المواطنين، من خلال التركيز المستنير على التعليم والرياضيات والعلوم والتكنولوجيا.

 

لن تتحقق أهداف بثورة الخامس والعشرين من يناير دون إحياء اقتصادى عميق، وهو ما يتطلب قيادة سياسية ووحدة. وسيستغرق هذا الإحياء سنوات كثيرة، وسيمر بمراحل عدم يقين لكنه قادر (ويجب) أن ينجح. وليس أمام الإحياء الاقتصادى المطلوب من خيار سوى أن يكون شاملاً، يتضمن إصلاح المؤسسات، وتجديد البرامج والروابط الاقتصادية والمالية، وإعادة بناء عملية إعداد الميزانية الحكومية، وتحسين خدمات الصحة والتعليم وتوسيع دائرة الحصول عليها.

 

هذا الإحياء يجب أن يبنى على نقاط القوة الرئيسية للاقتصاد المصرى، والتى كانت مقموعة قبل الثورة، ويتم الالتفاف حولها بشكل كبير بواسطة نظام متحيز يخدم القلة المميزة على حساب البلد ككل.

 

المفتاح هو ألا تغيب «ميزة» مصر الواضحة عن الأنظار أبدا، وبتحقيقها ذلك بطريقة مركزة ومنضبطة، ومن خلال التفاعل بذكاء مع الاقتصاد العالمى، والانفتاح على بعض الرؤى الملهمة، وبشكل خاص على الممارسات الواعدة التى طبقتها أربعة تجارب فى أماكن أخرى. وعندما تفعل مصر ذلك، سوف تصبح، وينبغى أن تصبح، نموذجًا يتبعه الآخرون.

محمد العريان محمد العريان، كبير المستشارين الاقتصاديين فى مؤسسة إليانز، وعضو لجنتها التنفيذية الدولية، وهو رئيس مجلس التنمية العالمية التابع للرئيس باراك أوباما. شغل سابقا منصب الرئيس التنفيذى والشريك الرئيسى التنفيذى للاستثمار فى شركة بيمكو.
التعليقات