إعلام مملوك للشعب - أحمد الصاوى - بوابة الشروق
الأربعاء 2 أكتوبر 2024 1:34 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إعلام مملوك للشعب

نشر فى : الثلاثاء 25 أكتوبر 2011 - 9:05 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 25 أكتوبر 2011 - 9:05 ص

فى صيف عام 2006، تفجرت لأول مرة قصة «صفقة اليمامة»، وهى صفقة تسليح شهيرة بين بريطانيا والمملكة السعودية، صحف بريطانية فتحت الباب للغوص فى تفاصيل الصفقة، لكن تليفزيون «بى بى سى» نجح فى الكشف عن أسماء فى الجانبين البريطانى والسعودى تلقوا رشاوى لإتمام الصفقة بينهم أمير سعودى شهير.

 

وقتها بذلت الحكومة البريطانية جهدا خرافيا لاحتواء الأزمة، نجحت فى استصدار قرار قضائى بوقف أى تحقيقات حماية لعلاقاتها مع الرياض، ومراعاة لاعتبارات «الأمن القومى»، لكن هذه الاعتبارات لم تنجح فى إقناع أو إجبار «بى بى سى» على عدم إذاعة برنامجها الوثائقى حول الصفقة رغم الضغوط.

 

لم يحم «بى بى سى» إلا استقلالها واحترامها لقيمها المهنية التى استقرت وصارت نموذجا يحتذى أو يرتجى، وهو استقلال يخدم الجمهور فى المقام الأول ويبتعد عن الاستقطابات السياسية داخل بريطانيا وخارجها.

 

لا يمكن أن تعتقد أن فى مصر مؤسسات إعلامية مستقلة، سواء بالتفسير النظرى والقانونى، أو بالرصد العملى، فالاستقلال أحيانا يكون نسبيا فى قضايا بعينها، ويكون مؤسساتيا بالابتعاد عن مؤسسات حكومية معينة والتعبير عن أخرى، ويكون مستبدلا السلطة الرسمية بسلطة رأس المال، فيكون مستقلا عن الأولى وتابعا للثانية.

 

لست من المراهنين على الإعلام القومى ويعتقدون أنه يمكن إصلاحه سريعا، لأن أزماته ومشاكله ليست فقط فى أنماط الملكية والممارسة والانحياز، لكنها أزمات مرتبطة بالتحول الديمقراطى عموما ولن تستطيع أن تمتلك نموذجا مثل «بى بى سى» بمعنى إعلام يموله دافع الضرائب ويخضع لسلطة البرلمان والهيئات المستقلة التى يعينها، دون أن تمتلك «مجلس عموم» حقيقيا، وأحزابا كاملة النضج لا تغرق الإعلام فى الاستقطابات وتحترم قبل غيرها استقلاله وقواعده المهنية.

 

كما لا يمكن أن تغفل تقدير تأثير الاستثمار الخاص فى الإعلام على ازدهار الصناعة، دون أن تشير إلى أنه أيضا إعلام «غير مستقل بالكامل»، كما أنه مسلط على رأسه سيفان، الأول هى مصالح رأس المال وإشكالياته إذا كان المالك يسعى للاستغلال المباشر لإعلامه فى دعم مصالحه، والثانى هو استهداف مصالح المستثمر وعقابه على ترك إعلامه يغرد كيف يشاء.

 

تلك إذن معادلات دقيقة قد تفهم منها ما نتج عن أداء التليفزيون الرسمى فى أحداث ماسبيرو، وتفهم أكثر حين تربط ذلك بإعلان القدير يسرى فودة «الاحتجاج بالصمت» حتى لو اختلفت مع قراره، ففى النهاية هناك سلطة تنظر للإعلام بريبة واستعداء، ورجال أعمال إما يشاركونها الرغبة فى التحجيم، أو يدفعون ثمن الانطلاق وفى النهاية المصير واحد.

 

أى حل يبقى إذن؟ لا بديل سوى تفعيل أفكار الإعلام المملوك للشعب، تعاونيات أو شركات مساهمة عريضة تضم آلاف المساهمين، إعلام أهلى لا يملكه مستثمر رئيسى، ويمول تأسيسه من حصص صغيرة جدا يدفعها آلاف المهنيين والفلاحين والإعلاميين الذين يفهمون جيدا أن أول مسمار فى نعش الثورة ألا تمتلك إعلامها الحر. 

أحمد الصاوى كاتب صحفي
التعليقات