الربيع العربى ينزع الخوف من قلوب السينمائيين - خالد محمود - بوابة الشروق
الإثنين 30 سبتمبر 2024 2:33 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الربيع العربى ينزع الخوف من قلوب السينمائيين

نشر فى : الأربعاء 26 أكتوبر 2011 - 10:20 ص | آخر تحديث : الأربعاء 26 أكتوبر 2011 - 10:20 ص

أجمل ما فى هذه النوعية من الأفلام ــ بجانب فلسفتها الحكائية الخاصة ولغتها السينمائية المدهشة ــ أنها تطوف بمشاهديها حول مفهوم المصائر الكبرى التى يواجهونها.. وهل هى صناعة ذاتية خالصة أم أن القدر يتدخل فى حيثياتها فى الوقت المناسب، وإذ يأتى السؤال هل نحن يمكننا أن نقدر مصير وشكل ما تبقى من حياتنا أم أن أحداث ومجريات الحياة يمكنها وحدها أن تحرك لحظات وجودنا ولون أيامنا القادمة؟

 

فى قصة بسيطة للغاية يقدمها لنا المخرج الروسى أندرى فياكنتشوف عبر فيلمه الرائع «إيلينا» الذى عرض فى المسابقة الروائية بمهرجان أبوظبى السينمائى، أجاب الشريط السينمائى عن السؤال وسط دهشة الجميع من النهاية التى لا تخطر على بال أحد.. فقد قررت بطلة الحكاية أن تحدد مصيرها هى وأسرتها بقرار شرير يصل لدرجة القتل، وتكمن المفاجأة فى أن السرد السينمائى منحها الفرصة لتحقيق الحلم دون أى عقاب.. وقد رضينا ــ كمشاهدين ــ بالنهاية التى يرضى بها الأسوياء وذلك بفضل جمال الصورة والأداء ومنطق الحوار.. أقصد أن جمال العمل السينمائى يمكنه أن يبرر سلوك أبطاله التى تنغمس فى الخطيئة.

 

ومخرجنا الذى قدم من قبل فيلم «العودة» بدأ فى «إيلينا» بداية هادئة صورة جمالية لحى راق، ثم صورة لمنزل جميل وصوت الطاووس، ثم تجول داخل المنزل بالكاميرا لنجد «إيلينا» امرأة فى الخمسينات ومن بعدها نرى الزوج «فلاديمير» وحديث تلقائى يجمعهما على الإفطار حول أزمة ابنها الذى يحتاج إلى المال لكى يساعد ابنه للالتحاق بالجامعة كوسيلة وحيدة لإنقاذه من التجنيد، لكن فلاديمير يرفض مساعدة حفيدها مبررا بأنه مسئولية ابيه، فترد لتقول له ولماذا تمنح ابنتك كل شىء، وهنا يرفض المقارنة.. إيلينا الزوجة هى ممرضة سابقة كانت قد تعرفت على زوجها فلاديمير عندما تعرض لوعكة صحية قبل سنوات ووقع فى غرامها وتزوجها ليجد فيها ألفة بعد أن هجرته ابنته المدللة، إيلينا تنتمى لأسرة اجتماعية متواضعة وتساعد ابنها وأحفادها بالمال، ويتدخل القدر ليتعرض فلاديمير لأزمة صحية بعد ذهابه للنادى لعمل بعض التمارين.. ويشفى من الأزمة ويقرر كتابة وصيته، وهنا نجد الزوجة الحائرة تجاه معاناة أسرتها وحبها لزوجها تجلس لحظات تفكر فى صورة وأداء تمثيلى هادئ وموح وشيئا فشيئا يتسلل إليك إحساس بأن هناك شيئا سيحدث، تترقبه وتشعر أنك أمام قصة بوليسية مثيرة، فالرجل الذى عرفته منذ سنوات وأحبته، عليها أن تتخلص منه خوفا من الوصية ومن أن يكتب كل أملاكه لابنته، فتقرر التخلص منه بمنحه جرعة من دواء خاطئ.. وبينما اللحظة قاسية، لكنها جاءت عبر صورة شفافة وموسيقى تصويرية موحية بفضل اللحظة نفسها، بأن ستغفر لهذه الزوجة فعلتها لتقرر مصيرها.. فهى اختارت أن تقف بجوار ابنها وزوجته وأحفادها.. اختارت أن تتلخص من فرد فى مقابل جماعة، وهنا نتذكر كم كان الحوار رائعا قبل لحظات بينها وبين زوجها حينما رفض منحها المال هو قال لها: أنت لا تحلمين سوى بعالم تملكه الفضيلة وهذا العالم لا يوجد سوى عند ربك فى السماء» فترد عليه «يمكن فى هذا العالم أيضا أن يكون الأخير وفى مقدمة الصفوف، وأن يتسيد من فى ذيل المجتمع المكانة الأولى».. فهو لا يؤمن بحتمية القدر بقدر ما لديه اقتناع بأن الإنسان يصنع مصيره ويجتهد من أجل الحياة، هى كانت تطمح فى المواءمة الاجتماعية وأن نشارك فى تخفيف أزماتنا، حتى لو كان صاحب الأزمة لا يأبه بالحياة ولا يجتهد.. لكنها اختارت أسرتها قتلت صاحب المال من أجل أن تعيش فى سلام مع مجتمعها الفقير، وأحضرت الجميع ليعيش فى شقة الزوج المقتول.

 

إنها بحق، الحياة كما يطرحها الفيلم، فالقصة بسيطة ومجتمعها ضيق على اتساع معانيه ودروسه.. لا خوف لا لهث، لا أنفاس مكبوتة.. تصرفت إيلينا بتلقائية حتى تصل للأمان الذى تنشده، ودرس الفيلم الروسى مخيف رغم حالة السكينة والطمأنينة والهدوء النفسى والعقلانية التى تفرضها أجواء مشاهده.. إنها سينما جديدة ومختلفة ومحرضة بنعومة على اتخاذ قرار وتقدير مصير.. لكن نعم نستمتع بها ونعيش أجواءها، لكن لا نبغى نهايتها، فالغفران فى الحلم والكابوس وارد لكن على أرض الواقع.. فى اليقظة من الصعب وغير الجائز فلن نغفر لإيلينا فعلتها، سنتعامل معها كرمز سينمائى يمكننا معه أن نبحث عن حلول أخرى إذا كان بأيدينا تقرير المصير غير القتل.

 

 

سينما الربيع العربى

 

وضعت ندوة «الربيع العربى وتأثيره على السينما» يدها على الجراح الحقيقية التى ستعانى منها صناعة السينما فى الفترة المقبلة إثر متغيرات جذرية تحدث فى المجتمعات العربية، وكان فى مقدمة هذه الجراح هى الرقابة وسلطة النجم، وسطوة المنتج، والتمويل، والجمهور الذى يشاهد الأفلام. كانت شهادات مصر وتونس وسوريا حاضرة بقوة لتعبر عن واقعها وترسم ماضيها وتستلهم مستقبلها.

 

وقال الفنان عمرو واكد: إن ما حدث هو إسقاط الخوف وليس إسقاط مبارك وبن على والقذافى، وعلى السينمائيين أن يتخلصوا من خوفهم الآن، وأعتقد أن دور الفيلم التسجيلى أصبح واضحا الآن لكى يدلى بشهادته على الأحداث، ولولا الربيع العربى لم تكن لدى الجرأة لأنتج فيلما مستقلا بميزانية كبيرة، وأنا متفائل بأن الفيلم المستقل سيكون له وجود كبير فى السوق، وأن معظم الفنانين الشباب الذين كانوا تحت الأرض سيصعدون عليها واقترح عمرو واكد من أجل التغلب على أزمة التمويل أنه حان الوقت لتغيير مفهوم التمويل، بعمل التمويل الاكتتابى لتطرح فكرة الفيلم على عدد كبير من الجماهير من يريد أن يساهم بأمواله فى صناعة الفيلم يساهم.. الشعب كله سيكون له نصيب إذا أراد، ليساهم فى صناعة فيلم يليق بمذاقه الخاص، وحينئذ لن نحتاج أن نعرض فى دور العرض بل سيراه الجمهور بكل الوسائل المتعددة.

 

بينما غاص الفنان خالد أبوالنجا ــ فى مزايدة ليست فى محلها ــ فى الوضع السياسى عندما قال «إن الجيش والشعب ليس إيد واحدة وأن الجيش ليس مع الثورة» وظل يردد ذلك كثيرا فى أروقة المهرجان، لكنه قال أيضا يجب أن نركز كسينمائيين على الجدية، ولا يمكن أن نكون حياديين، فالثورة لم تنجح بعد، وهناك مشهد سوف نراه فى أفلام كثيرة وهو مشهد دهس المتظاهرين بسيارات الشرطة ودهس الجيش لمواطنين أقباط. وطلب خالد من الحضور الوقوف دقيقة حدادا على شهداء الثورات العربية، وقام بعرض مشاهد من ميدان التحرير يهتف فيها الناس «الشعب يريد إسقاط النظام» و«ارحل» وأنه سوف يستعين بهذه المشاهد فى فيلم جديد صوره داخل ميدان التحرير بعنوان «التحرير التحرير» ويكشف فيه الخلط بين الرجل الذى يحكم مصر والشارع، ويؤكد أن على السينمائيين أن يعملوا على أن هذا الخلط غير حقيقى.

 

بينما قال المخرج السورى نبيل المالح أننى أشعر بالعجز أمام شيئين هما الصغر أمام الشارع، ثانيا الشعور بالاستقصاء والتشرد مازال يطاردنى، وقال نحن فى سوريا مازلنا فى البداية عكس مصر وتونس التى تجاوزت هذا الخطر، وفى سوريا لا يوجد إلا مواطن الشارع والموبايل وأنا حاولت أن أنزل وأصور ولكن كسرت الكاميرا.. إننى بحق أشعر أنى صغير وأمام هذا المواطن الذى يصرخ ويُقتل، لا أستطيع أن احيط بالحالة القائمة فى فيلمى الجديد، فنشرات الأخبار حاصرة وهى تساوى الدراما فى الشارع السورى.. دراما البشر الذين يقولون لا للظلم والمهانة على مدار 40 سنة.

 

وهنا تدخل عمرو واكد قائلا: أنا لم أنزل الشارع كسياسى أو فنان، بل مواطن خلع كل هذه الثياب ليكون شاهدا ونحن لن نحتقر الرأى الآخر، بل سنحتقر الرأى الكاذب.

 

وكان السؤال المطروح حول الوضع فى سوريا هو هل يمكن فى ظل الثورة على النظام أن يتجاوز السينمائيون الرقابة التى كانت مفروضة عليهم، وهل هيمنة الدولة على السينما فى طريقها إلى الزوال.

 

المنتجة السورية هالة العبدالله اعترفت أنه كان هناك إحساس بالعجز، وأن الثورة أعادت لها روحها الشابة بعد 25 سنة حرمت فيها من عمل سينما تحلم بها، الآن سوف استعيد زمنا هرب منى.. والواقع أن السينما ظلت تحت وضع فاش 40 عاما ولاتزال، عشنا فى ظل رقابة شديدة وفساد فى مؤسسة السينما عبر سياسة بيروقراطية وهى نقاطة قاتلة.. كان هنا 35 مخرجا سوريا يمارسون مهمة واحدة وهى الوقوف فى الدور، وأرى أن الثورة ستكون لها أثر عميق لانطلاق هذه الطاقات لتعمل ما تريده قبل أن يصل كل منهم لعمر السبعين عاما، واعترف أن هناك بعض السينمائيين لم يستطيعوا سوى عمل فيلم أو اثنين فى 30 عاما، وهناك من اختار أن يقف مع السلطة وهذا قاتل لهم، ولا يمكن أن نكون حياديين مع هؤلاء، لأننا لن نعيش فى صمت، وهناك العشرات من السينمائيين الذين راحوا ضحية فيلم مدته دقيقتان تم تصويره فى ميدان الغضب، ولكن الشباب يقومون حاليا بعمل ابداع حقيقى فى الشارع.

 

وأشار المنتج والمؤلف التونسى الحبيب عطية إلى أنه يأمل فى وضع تشريعات جديدة تضمن تأسيسا جديدا للسينما التونسية بعد الثورة، ومعظم السينمائيين لدينا كانوا ضد نظام بن على الذى لم يخدم السينما، وكان لدينا مشاكل فى الهوية، والتمويل، لكن بعد الثورة استرجعنا هويتنا.

 

أما خالد عبدالجليل فقد كانت مداخلته أكثر واقعية فى التعامل مع الحدث، حيث قال إن الثورة لم تنته بعد، ولذا فعلينا جميعا أن نتعامل بوجه آخر تحررا مع السينما وصناعها، وعلى الدولة أن ترفع قيودها، وتمنح السينمائيين الفرصة الحقيقية لظهور أفكارها وأحلامها فى وجود تشريعات منظمة لخدمة الصناعة وأضاف أن هناك تيارات سينمائية ونجوما صنعهم شارع الثورة وهو نتاج المرحلة الخصبة ووجب علينا تمهيد الطريق لهم، وهو ما يسعى للمساهمة فيه المركز القومى للسينما من أسس وتغيرات فى الفكر والهيكلة.

 

 

هنا محفوظ

 

فجرت الاحتفالية الخاصة بنجيب محفوظ والسينما بمناسبة مرور مائة عام على مولده إشكالية توثيق المعلومات حول رواد السينما المصرية، وعدم وجود وجهة حقيقية تؤرخ لأعمالنا ومبدعينا فى السينما كمصدر موثوق به واختلفت المنصة حول هل شارك نجيب محفوظ فى كتابة فيلم «شباب امرأة» أم لم يشارك وأن الفيلم لمؤلف روايته أمين يوسف غراب.

 

وبدون شك جاء النقاش الذى شارك فيه النقاد كمال رمزى وسمير فريد ووائل عبدالفتاح وأداره التميمى ليطرح أفكارا ورؤى جديدة حول علاقة أديب نوبيل بالسينما وأى منهما تأثير بالآخر.

 

وقال التميمى إن مهرجان أبوظبى حرص على الاحتفال بأديب السينما الكبير وقدم الشكر للمركز القومى للسينما على مساهمته فى توفير ستة أفلام مأخوذة عن أعمال محفوظ، وتم طبع أربع نسخ وترجمة جديدة لأربعة أفلام سوف نحرص على عرضها فى دور العرض بالإمارات، بالإضافة لمعرض البوسترات الخاص بأعمال محفوظ السينمائية، كما أن مهرجان الفيلم العربى اللاتينى بالأرجنتين سيأخذ تلك الأفلام لعرضها هناك.

 

 على جانب آخر فإن هذه الاحتفالية تعيد للأذهان دور المهرجانات فى النظرة للتاريخ السينمائى، بينما قال الناقد الكبير كمال رمزى إنه ليس مصادفة أن تكون أحسن أدوار ممثلينا هى التى قدموها عن شخصيات لمحفوظ والذى كان يمنح للمثل طريقا للابداع ويعطيه مفتاح الشخصية الحقيقى مثلما حدث مع نجوم كثيرين ومنهم شكرى سرحان «سعيد مهران» فى اللص والكلاب.. وأضاف رمزى فى بحثه «نجوم السينما فى سفينة نجيب محفوظ» الذى قدمه فى كتاب خاص أصدره المهرجان بعنوان نجيب محفوظ سينمائى أن فقرة واحدة وأحيانا جملة قصيرة عند محفوظ تضمن عند الممثل العالم الداخلى للشخصية التى سيؤديها ويفهم الأبعاد النفسية للنموذج البشرى الذى يعرب عنه كما حدث مع سناء جميل فى بداية ونهاية وسلمى حايك فى زقاق المدق والتى تفوقت فى استيعابها لشخصية حميدة أكثر من شادية.

 

وأكد الناقد الكبير سمير فريد على أن محفوظ هو رجل السينما الأول فى العالم العربى، وأنه قد عانى كثيرا أثناء بحثه «نجيب محفوظ كاتبا للسينما» من تضارب المعلومات وعدم وجود مصادر حقيقية وأشار إلى أننا نفتقد لسينماتيك حقيقى وشاركه فيه الرأى التميمى الذى أشار إلى أن الموسوعات الأجنبية بها أخطاء كبيرة عن سيرة محفوظ سينمائيا واستعرض فريد عشرة محاور للعلاقة بين محفوظ والسينما منها الأفلام التى كتبها للسينما، وكتاباته وحواراته عن السينما، وتأثر اللغة السينمائية على اسلوبه الأدبى، وعمله كرقيب.. بينما طرح الناقد وائل عبدالفتاج رؤية خاصة لسينما محفوظ عبر شخصية شفاعات فى فيلم «شباب امرأة» وقال إن السينما التقت محفوظ فى لحظة تمتزج فيها السذاجة مع النوايا الطيبة وتبحثان عن موهبة تمنح للواقعية سحرها الذى سيبقى.

 

وأكد أن العلاقة بين صلاح أبوسيف ومحفوظ كانت لها جذورها خاصة فى تألق كل منهما على الشاشة ما بين أدب السينما وسينما الأدب.

 

تضمن كتاب الاحتفالية أيضا تساؤلات وإجابات للناقد إبراهيم العريس: كيف للصورة أن تستوعب العام والخاص معا من خلال السينما فى حياة محفوظ وأعماله ومحفوظ روابط من الطرف الآخر لباث أليثيا جاريثا.

خالد محمود كاتب صحفي وناقد سينمائي
التعليقات