ماجدة صالح فى مقام الأسطورة - سيد محمود - بوابة الشروق
الجمعة 1 نوفمبر 2024 1:08 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ماجدة صالح فى مقام الأسطورة

نشر فى : الثلاثاء 26 نوفمبر 2019 - 11:10 م | آخر تحديث : الثلاثاء 26 نوفمبر 2019 - 11:10 م

تلقيت دعوة كريمة منذ يومين لحضور لقاء مع راقصة الباليه المصرية القديرة ماجدة صالح التى تزور مصر لأول مرة منذ سنوات طويلة.
وأجمل ما فى اللقاء ان من نظمته كانت واحدة من تلميذات الفنانة الرائدة خلال عمادتها لمعهد الباليه وأن احمد يحيى احد ابرز راقصى الباليه فى مصر اليوم كان من بين الحضور الذين أرادوا جميعا الاستماع لتجربة ترقى بصاحبتها لمقام الأسطورة.
ويمكن ان نعتبر ماجدة صالح هى عنوان لجيل كامل تلقى تعليمه فى اكاديمية الفنون عند تأسيسها لذلك ظلت طوال اللقاء حريصة على ان ترد فضل تجربة جيلها للدكتور ثروت عكاشة الذى اتخذ قراره الاستثنائى بتأسيس الاكاديمية لتكون نواة لتخريج كوادر فنية وإدارية تعينه فى مهمته كوزير الثقافة لا يزال هو الأهم فى تاريخ مصر المعاصر.
ويعرف المهتمون ان عكاشة ادى مهمته عبر مسارين، الأول كان قصيرا هدفه امتناع الجماهير الغفيرة التى تحمست لثورة يوليو بالثمار العاجلة والثانى كان طويلا وهدفه تنشئة اجيال تنضج على يديها هذه الثمار وكان بحكم تكوينه الفريد يؤمن بربط الثقافة بخطط التنمية الشاملة وعرف ان مهتمه بناء البشر قبل بناء الحجر.
وتحفل مذكراته بالقصة الكاملة لتأسيس معهد الباليه الذى كانت ماجدة صالح واحدة من ابرز خريجاته، وهى واحدة ممن نالوا حظ الذهاب إلى موسكو والتدريب مع فرقة البولشوى على سبيل التشجيع.
حكت فى سهرتنا كيف وقفت فى خلفية المسرح تلعب ادوارا صغيرة أعطت لها الثقة فى تجربتها الفنية التى واصلتها بعد العودة من موسكو واستكمال دراستها وعملها داخل الأكاديمية.
ومن بين كل تفاصيل حديثها العذب بقيت فى رأسى مجموعة من الإشارات والتنبيهات منها: ان راقصات هذه الجيل حملن عبئا كبيرا فى تحسين سمعة الرقص وقد ساعد المجتمع الناهض آنذاك على تقبل فن الرقص كرسالة سامية وتزامن ذلك مع جهد اخر قامت به فرقة رضا ونجماتها وفى مقدمتهن فريدة فهمى التى كانت تؤدى دورا اجتماعيا وفنيا. وتذكرت كيف ان والدها مزق جواز سفرها بعد ان طلب منها ضابط الجوارات فى مجمع التحرير ان تراجع مباحث الاداب لأن المهنة المدونة فى جوازها كانت (راقصة) وأصر والدها على ان تعدل إلى طالبة وهى اليوم تفخر ان تلاميذها يحملون جوازات سفر مدونا فيها المهنة (فنان بدار الاوبرا).
ومما قالته ماجدة صالح أيضا ان تقدير المجتمع لتجربة معهد الباليه جعل وزير الثقافة يدعو جمال عبدالناصر شخصيا لحضور عروض الفرقة فى الليلة التالية مباشرة وهو ما حدث بالفعل وأكثر من ذلك تفضل بمنح اعضاء الفرقة أوسمة لا تزال موضع تقدير فى ذاكرة ماجدة صالح التى تؤلمها الانتكاسة التى تعانى منها اكاديمية الفنون ومعهد الباليه بالذات وهى انتكاسة تواصلت لأسباب مجتمعية شملت كل أنماط التعليم لكنها تتجلى بشكل اكبر فى معاهد الأكاديمية.
لم تتحدث ماجدة صالح فقط عن الغزو الوهابى لمصر خلال الحقبة الساداتية والذى ادى ضمن ما ادى إلى انتشار ذهنية التحريم التى زجت بالمجتمع فى نفق فتاوى تحرم كل شىء، وإنما مدت الفكرة على استقامتها وأشارت إلى مخاطر غزو القيم الطفيلية التى جعلت بعض اساتذة الباليه يذهبون بالراقصات إلى الأفراح لتقديم (فقرات) فى حفلات الزفاف وهى ردة من نوع اخر نزلت بهذا الفن من مكانته السامية إلى وضع لم تصفه الا بكلمة (مؤسف) بدليل اننا لا نكاد نعثر فى مصر الآن على راقصة بالية نجمة بالمعنى الاجتماعى الذى يجعل اسمها متداولا كما كان الوضع فى الستينيات حين كان المجتمع كله وبفضل الإعلام يعرف مهامه فى الدفاع عن الفنون الراقية ويسعى إلى دعمها وتقديم نجومها فى جميع المناسبات.
ومن يعود لأرشيف صحف الستينيات والسبعينيات يعرف المكانة التى بلغتها ماجدة صالح قبل ان تقرر الهجرة للدراسة ثم هربا من الأوضاع البيروقراطية التى (طفشتها) من دار الاوبرا عند تأسيسها، لكنها لا تشعر بالغضب أو الضغينة لأنها تسامحت مع تجربتها ولا ترى اليوم الا قيمة الاستغناء لكننى بعد ان غادرت جلستها تساءلت: كيف لا تفكر مؤسساتنا فى تكريم امرأة كانت تحلم بالأفضل وترقص مثل نخلة، بقدم على الأرض وأخرى فى السماء؟