حول الإخوان والتظاهر والانتخابات - سارة خورشيد - بوابة الشروق
الخميس 13 مارس 2025 7:35 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

حول الإخوان والتظاهر والانتخابات

نشر فى : الإثنين 26 ديسمبر 2011 - 8:55 ص | آخر تحديث : الإثنين 26 ديسمبر 2011 - 8:55 ص

فى الساحة المصرية الآن ثوار، مصرون على استمرار الثورة حتى تحقيق مطالبهم رغم ما يتعرضون له من اعتداءات وضرب وقتل. البعض يؤازرهم ويؤيدهم، والبعض الآخر يهاجمهم ويعتبرهم إما بلطجية مأجورون أو شباب متهورون يتم استغلالهم من قبل قوى خفية تهدف للتخريب.

 

لكن هناك فريقا آخر يتمثل فى جماعة الإخوان المسلمين/حزب الحرية والعدالة، ليسوا مع هؤلاء ولا هؤلاء، يرفضون ويدينون قتل المتظاهرين والاعتداء عليهم من قبل قوات الجيش والأمن، لكنهم أيضا يرون الأمر كله كفتنة ومؤامرة تهدف لإفشال الانتخابات، ويطالبون بالتهدئة مثلما يؤيدون محاسبة المعتدين. فالبيان الرسمى الذى أصدرته جماعة الإخوان تعليقا على أحداث مجلس الوزراء يطالب المجلس العسكرى باعتذار «عن الجرائم التى تم ارتكابها» والتحقيق فى الأحداث، وهو أيضا يشير إلى أنه «كلما هدأت الأوضاع. نجد من يشعل الفتنة ويثير الاضطراب فى رغبة متكررة لمنع الاستقرار». وبيان حزب الحرية والعدالة التابع للجماعة يلقى بمسئولية على عاتق المتظاهرين، «يدعو شباب مصر. إلى تفويت الفرصة على من يحاولون إعاقة مسيرة الثورة، وأن يحافظوا على المنشآت والممتلكات العامة. وأن يلفظوا من بينهم من نراهم بلطجية مأجورين لتدمير مصر ومنشآتها وشعبها».

 

يدافع الإخوان عن موقفهم بوصفه «استراتيجيا» يبتغى تهدئة الأوضاع لحين يتم تسليم السلطة لمدنيين من خلال الانتخابات التشريعية، ويقولون إن المتظاهرين يتم استغلالهم من قبل من يرفضون صعود الإخوان (أو الإسلاميين) للحكم، سواء المجلس العسكرى أو أطراف علمانية وليبرالية، أو قوى غربية، أو كلهم مجتمعين. يتحدثون أيضا عن وجوب وجود طرف يسلك طريقا استراتيجيا غير طريق التظاهر والتصعيد، طريقا يعتمد على التفاوض مع المجلس العسكرى وبناء المؤسسات المدنية (كالبرلمان).

 

ويعيد هذا الموقف للأذهان سلسلة من الأحداث سبقت الخامس والعشرين من يناير 2011. فقبل اندلاع الثورة بشهرين ارتفعت دعوات ــ من قبل حركة 6 أبريل ود.محمد البرادعى وغيرهما من قوى وحركات معارضة ــ مطالبة بمقاطعة انتخابات مجلس الشعب، لكن الإخوان المسلمين، وحزبى الوفد والتجمع، اختاروا المشاركة مع الحزب الوطنى فى انتخابات عرف الجميع نتيجتها مسبقا. أما عن الوفد والتجمع فعرفت كأحزاب كرتونية خدمت نظام مبارك بدلا من أن تعارضه، لكن خيبة الأمل جاءت من إصرار الإخوان على المشاركة رغم أن الكثيرين طالبوهم بالمقاطعة.

 

●●●

 

الملاحظ أنه فى الوقت الذى لجأ الإخوان فيه إلى حلول «استراتيجية»، محاولون انتزاع ما يمكن (أو فى الواقع لا يمكن) انتزاعه من رجال مبارك فى إطار ما يسمى بالشرعية، متفادون التصادم المباشر مع النظام (مثل تصريحات محمد بديع بعد أيام من اختياره كمرشد للجماعة أنهم لا يعارضون ترشح جمال مبارك للرئاسة إن فتحت الفرص بالمساواة للجميع «بآلية تسمح بالاختيار الحر النزيه»)، كان هناك معارضون آخرون يدركون أنه لا أمل فى الإصلاح إلا من خلال حلول جذرية ويواصلون العمل فى الشارع من خلال المظاهرات والاعتصامات.

 

بدأت مظاهرات كفاية فى 2004، ولاحقا حركة 6 أبريل، قليلة العدد محدودة التأييد ــ كان تأييدها يزداد نسبيا فقط فى الظروف الاستثنائية، مثل الإضراب العام فى عام  2008 ومقتل الشاب خالد سعيد، ثم تتراجع شعبية نشاطاتهم مرة أخرى ويعودون للمظاهرات قليلة العدد. لكنهم لم ييأسوا وكانوا مستمرون على نضالهم الذى جنوا ثماره يوم الخامس والعشرين من يناير. دعوا للمظاهرة ونظموها مع باقى القوى رغم عدم توقعهم لذلك التأييد الشعبى التاريخى.

 

أما الإخوان فاستمروا على «استراتيجيتهم» حتى قبل الخامس والعشرين بأيام قليلة وبساعات، عندما أصدرت الحركات المناهضة للنظام بيانا عن المظاهرات المرتقبة يوم عيد الشرطة، لكن البيان خلا من توقيع الإخوان. وصرح الدكتور عصام العريان: «عمل الجماعة منظم ولها أيديولوجية واضحة بخصوص الدعاوى التى تأتى عن طريق شبكة الإنترنت أو الدعاوى الفردية غير المنظمة وهى التجنب». أخذ موقف الإخوان فى التذبذب مع الميل لـ«تجنب» المشاركة إلى أن أفادت جريدة «الشروق» فى الخامس والعشرين أن الجماعة حسمت أمرها أخيرا وقررت المشاركة بعد اجتماع سرى رأسه المرشد.

 

كل ذلك يضعف حجة الإخوان حين يبررون عدم مؤازرتهم لمتظاهرى مجلس الوزراء والتحرير، ومن قبل فى أحداث نوفمبر، بأن لهم حسابات استراتيجية أكثر تعقلا، وبأن الانتخابات فقط هى الحل الوحيد لتسليم السلطة.

 

●●●

 

بالطبع تختلف انتخابات مجلس الشعب فى الظروف الحالية عن انتخابات 2010، فالانتخابات الحالية أقرب للنزاهة ونتيجتها حتما أقرب للصحة. لكن الانتخابات وحدها ليست كافية لضمان ديمقراطية الأنظمة بشكل عام، فلا يمكن مثلا اعتبار إيران دولة ديمقراطية رغم أن انتخاباتها اتصفت بالنزاهة لعقود (باستثناء 2008). إن الانتخابات وحدها لا تنتزع سلطة من طغاة ممسكين بها. ويؤخذ فى الاعتبار فى هذا الصدد أن أهداف المجلس العسكرى فى السلطة تختلف عن أهداف مبارك، فالعسكريون ليسوا بالضرورة راغبين فى البقاء فى السلطة بشكل مباشر ولكنهم يريدون الخروج الآمن من السلطة إن تحتم عليهم الخروج، ويصرون على حماية سرية ميزانية الجيش وإعفائه من المساءلة المالية، وهو ما حاول المجلس العسكرى ضمانه من خلال وثيقة السلمى، ومن المتوقع أن يحاول أن يصل إليه بطرق أخرى سواء تمت الانتخابات أم لم تتم، مما يشكك فى قدرة الانتخابات وحدها على إرساء ديمقراطية تخضع فيها  السلطة التنفيذية، متضمنة وزارة الدفاع، للمحاسبة من قبل البرلمان.

 

ليس المقصد هو رفض أو معارضة الانتخابات، لأن الانتخابات لا تشكل نقيضا للتظاهر أصلا، لكن من المبالغة المخلة أن يتم إعلاء قيمة انتخابات مجلس الشعب ووضعها كأولوية قصوى لدرجة بشكل يمنع حزب الحرية والعدالة من رؤية أى حقائق أخرى، فبيانات وتصريحات الجماعة والحزب تتحدث عن كل ما يجرى فى مصر من منظور الانتخابات فقط، وترى كل شىء فى إطار مؤامرة لإفساد نجاح الإخوان فى الانتخابات، وكأن مصر ليس بها غير الإخوان وانتخاباتهم.

 

إن كانت هذه النظرية تحتمل الصواب فهى أيضا تحتمل الخطأ، فالإخوان اعتبروا أحداث نوفمبر مؤامرة ضد انعقاد الانتخابات إلا أنها انعقدت فى موعدها رغم كل شىء، ولم تظهر أدلة دامغة على رغبة المجلس العسكرى فى إفشالها. بل إن تصريحات أعضاء المجلس أشادت بها فى مواطن عدة، مثل رسالته رقم 89 التى وصفت المرحلة الأولى بكونها «العرس الديمقراطى» الذى يليق بمصر.

 

مما يضعف تلك النظرية أيضا أن المروجين لها لا يحددون بدقة هوية المتآمرين الراغبين فى إفشال الانتخابات خوفا من نجاح الإخوان. هل هم من يسمون بالعلمانيين والليبراليين؟ من منهم تحديدا، فالعلمانيون متعددون، أفرادا وكيانات، وغير متحدين بالضرورة ضد الإخوان أو غيرهم، منهم الثوار ومنهم من يعادى الثورة ــ مثال على ذلك أن أحد الرموز «الليبرالية» كممدوح حمزة تم طرده من ميدان التحرير من قبل الثوار أثناء أحداث نوفمبر، والثوار بدورهم منهم الإسلامى ومنهم العلمانى ومنهم غير المعنى إلا باستكمال إسقاط نظام مبارك وإنهاء حكم العسكر وسيطرته بالكامل. هل القوى الغربية هى التى تستغل الثوار لتعطيل الانتخابات؟ لا يوجد دليل حاسم على ذلك خاصة وأن أوباما امتدح الانتخابات بعد اتضاح نتيجة المرحلة الأولى، فى تصريحات نقلتها الأسوشيتيد بريس فى 30 نوفمبر.

 

إذا كانت تلك النظرية تفتقر  إلى الأدلة فلا يحق للإخوان التعلل بها والعزوف عن مناصرة الثوار، والذين يتفقون معهم فى الهدف، ألا وهو إنهاء الحكم العسكرى وبناء ديمقراطية سليمة.

 

●●●

 

أما عن الانتخابات فبإمكان الإخوان الاستمرار فى سلك طريقها (والذى يرجى منه أن يؤدى إلى وضع دستور توافقى يمثل جميع طوائف الشعب المصرى) بالتوازى مع النضال فى الشارع والاستمرار فى الضغط على المجلس العسكرى لحين رحيله وإنهاء سيطرته بالكامل، ولنتذكر أنه لولا ميدان التحرير لما تم خلع مبارك وأنه من خلال التظاهر تم انتزاع ما كان يماطل دونه المجلس العسكرى، مثل رؤية مبارك فى قفص الاتهام وإسقاط على السلمى ووثيقته، وغير ذلك الكثير.

 

الأولى بالإخوان، وبكل من يريد لذلك البلد أن تصبح ديمقراطية قوية مستقلة الإرادة، أن يؤازر الثوار الذين يبذلون سلامتهم وأرواحهم الغالية، رافعين كلمة الحق فى وجه سلاطين جائرين.

التعليقات