نيتانياهو وإلغاء الصراع العربي ــ الإسرائيلي - أحمد يوسف أحمد - بوابة الشروق
الأحد 2 يونيو 2024 4:28 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نيتانياهو وإلغاء الصراع العربي ــ الإسرائيلي

نشر فى : الأربعاء 27 مايو 2009 - 6:40 م | آخر تحديث : الأربعاء 27 مايو 2009 - 6:40 م

 منذ تولى بنيامين نتنياهو رئاسة الوزارة فى إسرائيل شخصت الأبصار إلى تحركاته وأصغت الآذان السمع لكل ما يقول فى محاولة لمعرفة الكيفية التى سيتصرف بها هذا اليمينى المتشدد لتسويق بضاعته، فى زمن يعج بالمتغيرات وعلى رأسها وجود رئيس أمريكى جديد يبدو وكأن من الممكن أن يكون ممانعا للارتباط الأعمى بخطى السياسة الإسرائيلية ورؤاها. ولذلك وضعت زيارات نتنياهو لكل من القاهرة وعمان وواشنطن فى النصف الثانى من هذا الشهر تحت المجهر، لعلها تشى ببعض ما ينويه رئيس الوزراء الإسرائيلى. مع أن المفروض أن يكون جميع المسئولين عن صنع السياسات العربية تجاه إسرائيل على بينة كاملة بإستراتيجية نتنياهو وتكتيكاته من سابق خبرتهم معه، وهذه قصة أخرى. ولأن تعتيما إعلاميا صارما قد فرض على زيارة الأخير للأردن حتى لا تكون منبرا لنشر أفكاره، فإن تصريحاته إبان زيارتيه للقاهرة وواشنطن تبقى المصدر الأساسى لجمع خيوط الرؤية الإسرائيلية لعملية تسوية الصراع العربى ــ الإسرائيلى فى ظل حكم نتنياهو.

ولعل أخطر ما فى هذه الرؤية هو بعدها المتعلق بتكييف نتنياهو للصراع فى المنطقة، ووفقا لتصريحاته فى القاهرة فى الحادى عشر من هذا الشهر، فإن الصراع ليس بين أديان وشعوب بل بين معتدلين ومتطرفين. وهو تكييف منطقى من وجهة النظر الإسرائيلية الإستراتيجية والتكتيكية، فلو كان الصراع بين أديان لجاز للبعض مثلا أن يتحدث عن صراع يهودى ــ إسلامى، أو يهودى ــ إسلامى ــ مسيحى، لكن إلغاء التكييف الدينى للصراع يبرر أن يكون الصراع بين اليهود فى إسرائيل والمسلمين والمسيحيين من العرب المعتدلين ضد المسلمين فى إيران. ولو كان بين شعوب لأمكن استمرار الحديث عن صراع بين الشعبين الفلسطينى والإسرائيلى مثلا، لكن الصراع بين المعتدلين والمتطرفين يلغى بجرة قلم صراعا امتد لأكثر من القرن حتى الآن دون أن يحل أيا من قضاياه الأساسية، لكى يصبح الصراع بين إسرائيل والعرب المعتدلين ضد إيران والعرب المتشددين، وهو معنى سبق أن تناولته فى مقال سابق بتاريخ 23/4/2009 بعنوان «أفكار حول تغير خريطة الصراعات والتحالفات فى المنطقة»، بعد أن أثار الأستاذ جميل مطر هذه القضية المهمة. وبطبيعة الحال فإن إسرائيل تضع نفسها فى هذا التكييف الجديد للصراع ضمن معسكر «المعتدلين»، ولا يدرى المرء إذا كان المعتدلون يقتلون المئات ويجرحون الآلاف ويهدمون كل رموز العمران بدم بارد كما فعلوا فى عدوانهم الأخير على غزة فى نهاية عام 2008 ومطلع عام 2009، فكيف يكون سلوك المتشددين إذن؟

وما دام الصراع العربى ــ الإسرائيلى قد ألغى بهذه البساطة فإن الاهتمام بتسوية قضاياه العالقة ــ التى نراها خطرا داهما ويراها نتنياهو مسائل ثانوية ــ يجب أن يكون على ذلك المستوى من الاستخفاف الذى تناول به الموقف الإسرائيلى من عملية السلام. تجاهل نتنياهو أولا فى القاهرة وواشنطن معا حل الدولتين، وإن تفضل علينا بأن إسرائيل لا تريد أن تحكم الفلسطينيين، وهو ينتقى ألفاظه بعناية فائقة، فلا يستخدم مصطلح «الشعب» فى وصف الفلسطينيين حتى لا تأتى لاحقا مطالبتهم بدولة، ويصوغ عبارة أن إسرائيل «لا تريد أن تحكم الفلسطينيين» مروجا على نحو غير مباشر مفهومه الثابت عن الحكم الذاتى للفلسطينيين. وإذا كان حل الدولتين معيبا من وجهة النظر الحقوقية العربية، على الأقل لأننا لا نعلم شيئا عن خصائص الدولة الفلسطينية المقبلة بما فى ذلك الإقليم الذى ستنشأ عليه، فإن امتناع نتنياهو عن تأييد ذلك الحل الذى يظهر التردى الذى وصلت إليه المطالب العربية.

من ناحية ثانية تفضل نتنياهو علينا بإعلانه فى العشرين من الشهر الحالى بعد عودته من واشنطن أنه تفاهم مع الإدارة الأمريكية على ضرورة إطلاق عملية السلام بما فيها بدء محادثات مع سوريا، لكن دون شروط مسبقة. ونلاحظ أولا أن التفاهم قد تم على «ضرورة» إطلاق عملية السلام وليس على إطلاقها، وثمة فرق بيِّن بين الأمرين. غير أن الطريف أن نتنياهو قد رهن إطلاق عملية السلام بعدم وجود «شروط مسبقة» من جانب العرب بطبيعة الحال. وهاكم قائمة ببعض من شروطه هو لبدء المفاوضات: عدم التوقيع على اتفاق سلام قبل تلبية احتياجات إسرائيل الأمنية (ولا عزاء فى الاحتياجات العربية) ــ عدم التوقيع على اتفاق سلام قبل اعتراف الفلسطينيين بإسرائيل دولة يهودية (أى التنازل عن معظم حقوقهم وعلى رأسها حق العودة، بل ووضع الأساس القانونى للتخلص من فلسطينيى 48 الصامدين على أرضهم منذ وقوع النكبة) ــ معارضة الانسحاب من الجولان المحتلة (أى أن احتياجات إسرائيل الأمنية لها الأولوية على إعادة الأراضى العربية ناهيك عن تلبية الاحتياجات الأمنية العربية) وعلى الدول العربية أن تعطى من الآن مقابلا لاستعداد إسرائيل توسيع دائرة السلام بدخول دول عربية إضافية فيها (أى مزيد من التنازلات العربية الجوهرية وبالذات فى مجال تطبيع العلاقات مع إسرائيل فى مقابل شرف الدخول فى مفاوضات معها).

أى هزل إذن يقودنا إليه هذا الرجل؟.. وهل يمكن أن يوكل العرب الرئيس الأمريكى فى منازلة نتنياهو بشأن كل هذه المواقف؟.. علما بأن جميع ما هو منسوب لأوباما حتى الآن من مواقف «إيجابية» مثل التشديد على حل الدولتين وضرورة وقف الاستيطان هو جزء من الرطانة السياسية الأمريكية المستخدمة منذ عهد سلفه جورج بوش. لا يمكن لهذه الاستهانة بالعرب أن تتوقف إلا بموقف عربى موحد وجاد، وهذه مسألة تبدو مستحيلة الآن للأسف. وقد نذكر أن مصر بكل اعتدالها قد واجهت عهد نتنياهو الأول بالدعوة لقمة عربية عقدت بالقاهرة فى يونيو 1996، وتبنت القمة من المواقف حينذاك ما يصيب المرء بالذعر عندما يتذكر أن نتنياهو يعامل الآن كحالة عادية نلتقى معه ونحاوره ونتبادل معه النصائح وربما التهديدات المهذبة. لقد هددت قمة عام 1996 على سبيل المثال بمواقف تتعلق بالعلاقات العربية مع إسرائيل بما فى ذلك وقف التغلغل الإسرائيلى فى المنطقة، وعدم إقامة علاقات جديدة معها، والتلويح بوقف ما هو قائم من هذه العلاقات، وتحميل إسرائيل كامل المسئولية فى ذلك. وإذا كانت هذه التهديدات لم تنفذ فإن غيرها قد وضع موضع التنفيذ كما ظهر فى وقف المفاوضات متعددة الأطراف على سبيل المثال.

لقد كانت لدى العرب فترة إنذار كافية تمتد بطول خبرة ثلاثة عشر عاما منذ تولى نتنياهو الحكم أول مرة فى إسرائيل فى 1996 وفقا لبرنامج سياسى يردد اليوم مفرداته السياسية بحذافيرها عن الحكم الذاتى للفلسطينيين والاستيطان والقدس والاحتياجات الأمنية الإسرائيلية ومصير الجولان وغيرها. لكن أحدا فيما يبدو لا يقرأ، وإذا قرأ لا يتذكر، وإذا تذكر لا يعمل. ولقد عمرت حكومة نتنياهو الأولى ثلاث سنوات من 1996 إلى 1999 حين اضطر نتنياهو إلى الدعوة لانتخابات مبكرة ووافق الكنيست الإسرائيلى على ذلك، وليست هناك دراسة علمية أكيدة حتى الآن حول الوزن النسبى لنهج نتنياهو فى إدارة الصراع مع العرب بين العوامل الأخرى لإخفاق حكومته. ليهنأ العرب إذن باستهانة نتنياهو بهم عددا قليلا من السنوات وربما الشهور، وليواصل أهل حماس وأصحاب فتح انقسامهم ما شاءوا وليطمئنوا جميعا أن شيئا ما لن يتغير فى وضعهم ما لم يغيروا ما بأنفسهم.

أحمد يوسف أحمد أستاذ العلوم السياسية بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وعميد معهد الدراسات العربية