يعتقد الرئيس وأولئك الذين أيدوا قراراته قبل أن تصدر، وأولئك الذين يتحفظون على مواد فى قراراته لكنهم يقدرون أسباب إصدارها من وجهة نظرهم، إن هناك مؤامرة تجرى لزعزعة الاستقرار فى البلد، الرئيس وهو يلقى عليك بفزاعة المتآمرين الجدد على قلب نظام الحكم، اعترف بقصد أو بدون قصد، أنه يتجسس على شعبه، يأتيه كلام من يتكلمون، ويعرف ما يجريه أولئك العابثون فى «الضلمة»، هذه نقطة دعها قليلا أو إلى حين.
لكن أولئك الذين يعرفون أن هناك مؤامرة، وأولئك الذين ينقلون تسجيلات المؤامرة بعد تجسس عليهم، وأولئك الذين يطلعون الرئيس على ما يجرى فى «الضلمة»، لا يقولون له إنه رأس الدولة المسئول عن الأجهزة الأمنية كلها، والذى يملك تحريكها لجمع الأدلة، أن يقدم ما لديه للقضاء ويكشف بوضوح عن المتورطين فى هذه المؤامرة بدلا من سياسة «التلسين» التى لا تليق برئيس دولة.
لكن الرئيس ومؤيديه ومن يقدرون حسن نواياه، يفضلون أن يعاقب الشعب كله، بتنصيب ديكتاتور مستبد عليه، وبحرمانه من حقوقه فى التقاضى، وبإهدار ضماناته فى قضاء مستقل كان من المنتظر أن يعزز الرئيس استقلاله بالشكل الكامل، لا أن ينزع منه ما اكتسبه خلال نضال السنوات السابقة.
يعاقب الشعب كله لأن هناك بضعة أفراد ــ حسب زعم الرئيس الذى لم يقدم عليه دلائل بعد يتآمرون على الدولة والحكم والاستقرار.
ما أشبه الليلة بالبارحة، لكل سلطة جماعتها المحظورة، وعدوها الذى تخترعه، والمشكلة أن السلطة الجديدة تحاول أن تنسى أو تتناسى مواقفها السابقة حين كانت فى صفوف المعارضة، تنسى نضالها وشعاراتها، وينسى المنتسبون لها من بين من كانوا أعضاء فى تيار استقلال القضاء، وصاروا معاول لهدم القضاء كل ما مضى من نضال من أجل عيون السلطة وبريقها، وكأن معارضتهم السابقة لمبارك لم تكن من أجل استقلال القضاء بل كانت من أجل وجودهم خارج السلطة.
كم مرة حوكم الإخوان بتهمة محاولة قلب نظام الحكم وخرجوا ساخرين من التهمة ومعناها، لكن ذلك لم يمنعهم من توجيهها لرفاق النضال، كم مرة لجأ مبارك لإجراءات استثنائية لمواجهة الجماعة، وكم مرة أدانت الجماعة وشركاؤها فى المعارضة فى ذلك الوقت هذه الإجراءات، لكن «ترزية القوانين الجدد» مازالوا على درب من كانوا قبلهم لا فرق بين مفيد شهاب وأحمد مكى، ولا بين آمال عثمان وفتحى سرور وباكينام الشرقاوى وفؤاد جاد الله، كل الترزية فى خدمة النظام يزينون له أفعاله، يفصلون له القوانين والتعديلات، ليحقق مآربه.
خدعوك فقالوا: نحن فى ظروف استثنائية، فيما جاء الرئيس منتخبا بسياق قانونى ودستورى وليس استثنائيا، خدعوك فقالوا: مجلس قيادة ثورة يوليو حصن قراراته ضد طعن القضاء، ألا يرى هؤلاء الفارق بين حكم منتخب جاء وفقا لأحكام الدستور والقانون وأقسم على احترامهما، وبين حكم جاء بالدبابات والمدفعية منتزعا الحكم انتزاعا من الملكية البائدة، خدعوك فقالوا كثيرا، ومن ضمن ما خدعوك به أن هناك أناسا يخططون لمؤامرة فى «الضلمة» وحتى يقدموا دليلا لـ«قضاء مستقل»، قل لهم إن المؤامرة فى عقولكم.