سؤال: هل من الجائز للمسلم مودة غير المسلمين وتهنئتهم فى أعيادهم؟
والجواب إن كان واضحا جليا عندى بفطرتى وفهمى للإسلام دون استغراق فى التفاصيل والأسانيد، إلا أن الأمر يستحق التوثيق عبر مرجع ثقة، وهذا السؤال تحديدا أجاب عليه الدكتور يوسف القرضاوى فى فتوى رسمية صادرة عنه ومنشورة على موقعه الإلكترونى قال فيها نصا: «يعد تَغير الأوضاع الاجتماعية والسياسية أمرا واقعا تقتضيه سنَّة التطور، وكثير من الأشياء والأمور لا تبقى جامدة على حال واحدة، بل تتغير وتتغير نظرة الناس إليها. ومن ذلك، قضية غير المسلمين فى المجتمع الإسلامى، ولا يسعنا أن نبقى على فقهنا القديم كما كان فى هذه القضايا.
ومراعاة تغيّر الأوضاع العالمية، هى التى جعلتنى أخالف الإمام ابن تيمية فى تحريمه تهنئة غير المسلمين بأعيادهم، وأجيز ذلك إذا كانوا مسالمين للمسلمين، وخصوصا من كان بينه وبين المسلم صلة خاصة، كالأقارب والجيران فى المسكن، والزملاء فى الدراسة، والرفقاء فى العمل ونحوها، وهو من البر الذى لم ينهنا الله عنه. بل يحبه كما يحب الإقساط إليهم {إِنَّ اللَّهَ يُحِّب الْمُقْسِطِينَ} «الممتحنة:٨». ولا سيّما إذا كانوا هم يهنئون المسلمين بأعيادهم، والله تعالى يقول: {وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدوهَا} «النساء:٨٦».
ويجب أن نراعى هنا مقاصد الشارع الحكيم، وننظر إلى النصوص الجزئية فى ضوء المقاصد الكلية، ونربط النصوص بعضها ببعض، وها هو القرآن يقول:{لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فى الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَروهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِب الْمُقْسِطِينَ} «الممتحنة:٨». فهذا هو الأصل، وهو الدستور.
وإذا وجدنا أهل الذمة، اليوم، يتأذون من هذه الكلمة (أهل الذمة)، ويقولون: لا نريد أن نُسمّى أهل الذمة، بل نريد أن نُسمّى (مواطنين)، فبماذا نجيبهم؟
وجوابنا: أن الفقهاء المسلمين جميعا قالوا: إن أهل الذمة من أهل دار الإسلام، ومعنى ذلك بالتعبير الحديث أنهم: (مواطنون)، فلماذا لا نتنازل عن هذه الكلمة (أهل الذمة) التى تسوءهم، ونقول: هم (مواطنون)، فى حين أن سيدنا عمر ــ رضى الله عنه ــ تنازل عما هو أهم من كلمة الذمة؟! تنازل عن كلمة (الجزية) المذكورة فى القرآن، حينما جاءه عرب (بنى تغلب)، وقالوا له: نحن قوم عرب نأنف من كلمة الجزية، فخذ منا ما تأخذ باسم الصدقة ولو مضاعفة، فقبل منهم.
فالأحكام تدور على المسميات والمضامين لا على الأسماء والعناوين، ولابد أن ننظر فى قضايا غير المسلمين نظرات جديدة، وأن نرجح فقه التيسير، وفقه التدرج فى الأمور، مراعاة لتَغير الأوضاع.
إن كثيرا من المشايخ أو العلماء، يعيشون فى الكتب، ولا يعيشون فى الواقع، بل هم غائبون عن فقه الواقع، أو قل: فقه الواقع غائب عنهم، لأنهم لم يقرؤوا كتاب الحياة، كما قرؤوا كتب الأقدمين.. ولهذا تأتى فتاواهم، وكأنها خارجة من المقابر».
إلى هنا انتهت فتوى الشيخ.. وإلى هنا تجد الفارق الشاسع بين «فتاوى القبور» و«فتاوى الحياة»، فالأولى تعود بالتاريخ إلى الخلف والثانية تذهب به إلى الأمام.
هنأ إخوانك إذن بعيد الميلاد، ولا تكترث بمن يؤثمك، فمعك الفطرة والدين والإنسانية، ومن يؤثمونك ليس معهم أى شىء، لأنهم كالأخسرين أعمالا الذين يحسبون أنهم يحسنون صنعا.. والله أعلم.