ومن التعليم ما قهر - أمل أبو ستة - بوابة الشروق
الثلاثاء 1 أكتوبر 2024 12:40 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ومن التعليم ما قهر

نشر فى : الأحد 28 أكتوبر 2012 - 9:35 ص | آخر تحديث : الأحد 28 أكتوبر 2012 - 9:35 ص

وزير التعليم: «ضرب التلاميذ» ليس مشكلة

 

إحالة مدرسة بالأقصر إلى النيابة الإدارية لقيامها بقص شعر تلميذتين لم ترتديا الحجاب

 

خبران لم يفصل بينهما أكثر من يومين طالعتنا بهما الصحف ليكونا الأكثر إثارة للصدمة والشفقة معًا على ساحة التعليم فى مصر.

 

●●●

 

تصريح كالذى يبرزه الخبر الأول من وزير للتعليم فى بلد محترم كفيل بإنهاء خدمته. فبدلا من أن تنصب تصريحات السيد الوزير على رفع كفاءة المعلم وتحسين ظروفه أو على خطته لتطوير العملية التعليمية أو القضاء على الأمية، إذا به يخرج علينا بتصريح يحرض آلاف المدرسين فى المدارس على إيذاء الأطفال بدنيا ويعطيهم الضوء الأخضر من رأس الجهة الحكومية المنظمة لعملهم لاستعمال العنف كسلوك مقبول للتعامل مع الأطفال. يأتى هذا التصريح من وزير فى حكومة أول رئيس منتخب فى بلد قام بثورة راحت ضحيتها آلاف الأرواح والعيون والأعضاء من أجل الحرية والكرامة والحياة الآدمية. فإذا بتصريح كهذا يأتى ليرسخ مبدأ الإهانة والإذلال والإخضاع فى نفوس الصغار ويدفع بالعنف كوسيلة لفرض الرأى والتوجيه، ليكون أول درس عملى يتعلمه هؤلاء الأطفال فى سنوات تشكيل الهوية هو أن العنف هو بديل الحوار، وأن القوة تستمد من العضلات لا العقل، وأن إيذاء الأضعف سلوك مقبول. هل هذا هو المجتمع الذى ننشده؟ هل نهدف إلى تنشئة جيل من المشوهين نفسيا؟ هل نريد مجتمعا عنيفا؟ كيف يتصالح مبدأ العنف مع الحرية التى قامت من أجلها الثورة؟ عن أى نهضة نتحدث؟

 

ليس غريبا إذا أن نقرأ الخبر الثانى بعد يومين من الخبر الأول. فها هى مدرسة قد قررت فرض رأيها على تلميذتين بالصف السادس الابتدائى ورأت أن تؤدبهما لعدم ارتدائهما الحجاب كما أمرت. ولأن العنف وسيلة مقبولة فى الوزارة التى تتبعها المعلمة، لم تر المدرسة مانعا فى استعمالها. وتشير هذه الحادثة إلى مشكلتين: المشكلة الأولى هى أن المدرسة كسلطة داخل الفصل ترى أنها تمتلك الحقيقة المطلقة وأن آراءها ومعتقداتها ملزمة لطلبتها وأنهم يستحقون العقاب إن لم ينصاعوا للأوامر. فمن وجهة نظرها هى تؤدب الطفلتين على خطأ يستحق العقاب والقرار لها وحدها لتحديد ذلك الاستحقاق وتلك العقوبة. وأوضحت المدرسة أنها لجأت إلى تنفيذ تهديدها المتكرر للطفلتين من باب «الحفاظ على هيبتها» داخل الفصل. تلك العبارة التى آن الأوان لأن نتخلص منها، فهى تستخدم كذريعة للبطش والاستبداد حيث يصبح الحفاظ على وجود السلطة أهم من الحفاظ على سلامة الأفراد. والمشكلة الثانية تتركز فى الطريقة التى قررت المدرسة أن تعاقب بها الطفلتين وهى طريقة تقر بالعنف كوسيلة للعقاب، وهى وسيلة قد تجبر الأفراد على الانصياع ولكنها أبدا لا تغرس القيم والمبادئ ولا تغير معتقدات، ولا تعدو كونها متنفسا لغضب مرتكب السلوك العنيف. وسؤالى: هل تم تأهيل هذه المدرسة للتعامل مع أطفال؟ هل درست أسس التربية وعلم النفس؟ إن كانت الإجابة بلا فتلك مصيبة، وإن كانت الإجابة بنعم فالمصيبة أكبر، إذ ينم ذلك على فشل منظومة الدراسات التربوية التى تخرج لنا مدرسة تتصرف مثل هذه التصرفات الحمقاء.

 

وتندهش إن عرفت أن الدكتور إبراهيم غنيم، وزير التربية والتعليم، كان عميدا لكلية التربية بجامعة قناة السويس، وحاصل على دبلوم خاص وماجيستير ثم دكتوراه فى التربية. وعليه فلقد كان الأحرى بسيادته أن يشجع المعلمين فى وزارته على ضرب المثل لتلاميذهم فى إقامة الحوار الراقى وعلى استخدام أساليب التربية الحديثة التى درسها سيادته لحصوله على درجاته العلمية. لن أتحدث فقط عن الآثار السلبية الجسيمة للعنف على سلوك الطفل وصحته النفسية وآثار ذلك على شخصيته وسلوكه فى المستقبل ولكنى أؤكد أيضا أن العنف والإرهاب وبث الرعب فى نفوس الأطفال لا يساهم قيد أنملة فى العملية التعليمية بل إنه يقف حائلا أمامها. فقد أثبتت الأبحاث العلمية أن الجو النفسى الهادئ هو شرط أساسى من شروط التحصيل والتعلم وأن الخوف أو القلق الزائد عن الحد من شأنه أن يشكل حاجزا بين العلم وطالبه. وينطبق هذا الكلام على جميع الطلاب فى جميع الأعمار، فما بالك بأطفال لا حول لهم ولا قوة.

 

●●●

 

ولقد توصل العلم إلى هذه الاستنتاجات منذ عقود. فلقد أوضح عالم النفس الشهير أبراهام مازلو فى الأربعينيات من القرن الماضى فى نظريته الشهيرة «هرم الاحتياجات» أن الإنسان له حزمة من الاحتياجات يسعى لإشباعها. وتشكل هذه الاحتياجات الدافع لسلوكه، ولكنه قسّم هذه الاحتياجات إلى خمسة أقسام تأتى فى ترتيب محدد، وأوضح أن الفرد لا يلتفت إلى قسم بعينه قبل إشباع احتياجات القسم الذى يسبقه. وتأتى أقسام مازلو الخمسة حسب ترتيبها كما يلى:

 

● الاحتياجات الطبيعية والفسيولوجية: كالحاجة للهواء والمأكل والمشرب والمسكن وخلافه.

 

● الشعور بالأمان: أمانه البدنى والنفسى والمادى، أمان عائلته وممتلكاته، وهكذا.

 

● الحب والشعور بالانتماء: وهى الحاجة إلى دفء المشاعر من الأصدقاء والعائلة والعلاقات الرومانسية.

 

● الاحترام: احترام نفسه لنفسه واحترام الآخرين له.

 

●تحقيق الذات: وهى الحاجة إلى الإبداع وابتكار الحلول للمشكلات والالتزام بالقيم وبالموضوعية. وهو المستوى الذى يبغى فيه الإنسان الوصول إلى أفضل ما يمكنه الوصول إليه واستغلال أفضل إمكاناته.

 

وهكذا نرى أنه للوصول إلى مجتمع مبتكر ومبدع يلتزم فيه الأفراد بالقيم والمبادئ، يجب لنا أولا أن نهيئ لأفراده السبل لإشباع حاجاتهم فى الأقسام الأربعة الأولى. وحيث يأتى الشعور بالأمان فى القسم الثانى من الهرم، فليس لنا أن ننتظر أن يأتى أى سلوك عنيف ضد الأطفال فى المدارس بأية نتائج طيبة على صعيد التعلم والتفوق.

 

●●●

 

إن استخدام العنف كوسيلة للتقويم سواء فى البيت أو المدرسة هو سلوك مجتمعى يتقبله قطاع عريض من مجتمعنا. وهى مشكلة تسبب فيها الجهل والموروثات الثقافية البالية، بل الأوضاع السياسية والاقتصادية التى أعطت لصاحب السلطة الحق فى البطش بالآخرين على اعتبار أنه عالم ببواطن الأمور وبالتالى له الحق فى التعدى على حقوقهم وآدميتهم. تقودنا واقعتين كالسابق ذكرهما إلى التيقن من أنه لا مجال لحديث عن تطوير التعليم قبل الحديث عن حقوق الإنسان. إن تصريح سيادة الوزير وحادثة مدرسة الأقصر هما فى واقع الأمر انتهاك لقانون الطفل المصرى 126 لسنة 2008 الذى يجرم ممارسة العنف ضد الأطفال داخل المؤسسات التعليمية ويعاقب مرتكبه بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر. إذا لدينا القانون، ولكن هل يفعّل؟ هل رأينا مثلا عقابا لحِق بالمدرس صاحب الفيديو الشهير الذى انتشر على شبكات التواصل الاجتماعى منذ شهور قليلة والذى رأيناه فيه يوسع أطفالا لا يتعدون الست سنوات ضربا فى واقعة أشبه بحفلات التعذيب؟ أم أن دفاع بعض ذوى الأطفال عن هذا المدرس باعتباره «معلما ومربيا فاضلا» قد أضاع حقوق هؤلاء الأطفال إلى الأبد، فيكونوا بهذا قد ظلموا مرتين؟

 

لا يمكن أن نشهد تغييرا بمجتمعنا دون أن نضع حقوق الإنسان نصب أعيننا ودون تطبيق لمبدأ الثواب والعقاب. فهل نرى إرساء لدولة القانون وترسيخا لمبدأ العدل فى التعامل مع هاتين الواقعتين؟ أم يستمر مسلسل العودة إلى الوراء ويستمر تعاملنا مع أحداث جسام كهذين بمبدأ «يا راجل كبر مخك»؟

 

 

أمل أبو ستة حاصلة على دكتوراه فى أبحاث التعليم من جامعة لانكستر بانجلترا
التعليقات