العوا من الوسطية إلى العكاشية - وائل قنديل - بوابة الشروق
الثلاثاء 25 فبراير 2025 11:59 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

العوا من الوسطية إلى العكاشية

نشر فى : الثلاثاء 29 نوفمبر 2011 - 8:00 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 29 نوفمبر 2011 - 8:00 ص

لماذا لا يذهب المحامى القدير محمد سليم العوا بما لديه من معلومات ضد الثوار فى ميدان التحرير إلى النائب العام ويريحنا من هذا الضجيج الأجوف الذى يحاصرنا به أرضيا وفضائيا؟

 

إن استمرار الرجل فى إهالة التراب على ما تبقى من الثورة بهذا الشكل يضعك أمام نموذج غير مسبوق للسوفسطائية فى أوضح صورها، فالمحامى الكبير يدافع عن القضية ونقيضها، ويتبنى الموقف ومعكوسه، هكذا بلا فارق زمنى يتيح للمتابع استيعاب هذه القدرة العجيبة على الانقلاب على الذات.

 

لقد كان العوا هصورا وجسورا على المجلس العسكرى فى جمعة 18 نوفمبر حيث امتشق «السويتر الكاجوال» وتسلق إحدى العمارات المطلة على ميدان التحرير وأطلق وابلا من التصريحات ضد المجلس العسكرى يتوعده فيها بما هو أعنف من هذه المليونية إن هو ماطل فى تسليم السلطة إلى المدنيين، مهددا بتصعيد الموقف من قبل الملايين المحتشدة فى الميدان، على الرغم من أن عددها لم يزد على بضع مئات من الآلاف.

 

فى تلك الجمعة بدا العوا وكأنه يعتذر للميدان الذى طالما أساء إليه بالقول، أو ربما تذكر تلك الروح المدهشة التى عايشها ورآها فيه من توحد وانصهار كاملين بين المسلمين والمسيحيين فى سبيكة واحدة.. ولعله تذكر أيضا كلامه القاطع الواضح بعد خلع المخلوع الذى يقسم فيه بدماء الشهداء أن المصريين لن يرضوا بغير دستور جديد كامل ولن يقبلوا بتعديلات على دستور أسقطته الثورة (موجود على يوتيوب بالصوت والصورة).

 

غير أنه فى اليوم التالى ومع الاعتداء الهمجى من قوات الشرطتين على مصابى الثورة فى الميدان عاود العوا هوايته فى الانتقال إلى الضفة الأخرى، إلى الحد الذى أصبح دخوله الميدان نوعا من المخاطرة، حيث قرر هذه المرة أن يترافع عن المجلس العسكرى ــ الذى توعده بتصعيد غضب الميدان قبل أسبوع ــ ضد مطالب الميدان، ووصل به الأمر فى النهاية إلى الإبلاغ عن المعتصمين مطالبا بالقبض عليهم بتهمة الخيانة لأنهم يطالبون بمجلس رئاسى مدنى أو حكومة إنقاذ وطنى.. ولم يجد المحامى الشاطر الذى قال يوما إن من حق مصر دستورا جديدا ونظاما جديدا غضاضة فى الترافع عن تعيين كمال الجنزورى القادم من أرشيف مبارك القديم رئيسا لحكومة ثورية.

 

ويبدو أن العوا يتعامل مع الثورة بمنطق المحامى، والمحامى الشاطر على استعداد لتبنى القضية وعكسها، إذا اختلف مع موكله، وهو المنهج السوفسطائى القديم الذى حورب به الفيلسوف الحكيم سقراط عندما حاول تغيير المجتمع والانتقال به إلى قيم المدينة الفاضلة، حيث كان السوفسطائيون فى ذلك الوقت يقومون مقام تجار الفتاوى وباعة الاستشارات القانونية، ويسرحون فى الأسواق بعلم فاسد لمن يدفع.

 

وربما كانت الوسطية التى يصنف البعض العوا على أنه واحد من رجالها تعنى الوقوف فى منتصف المسافة من الشىء ونقيضه، المبدأ ومضاده، الموقف وعكسه، تماما كما يفعل المجلس العسكرى بترديده دوما أنه على مسافة واحدة من كل الأطراف، ثورة وثورة مضادة، فلول وشهداء.. إنه نوع من الاختيارات يبدو أبعد عن الوسطية وأقرب إلى «العكاشية».. «بالتوفيق» يا دكتور.

وائل قنديل كاتب صحفي