كتب مايكل دوران، زميل قديم فى مركز سابان لسياسة الشرق الأوسط، ومتخصص فى قضايا الأمن فى الشرق الأوسط. وكان يشغل منصب نائب مساعد وزير الدفاع، ومن كبار مديرى مجلس الأمن القومى، مقالا تحليليا للصفقة الأمريكية الإيرانية ورؤيته لمستقبل العلاقة بين البلدين، نشر على الموقع الإلكترونى لمركز بروكينجز، حيث يرى الكاتب أن تقييم للصفقة النووية يعتمد على كيفية فهم السياق الأوسع للعلاقات الأمريكية الإيرانية. وهناك مسارات محتملة فى المستقبل قد لا تكون كلها سيئة لذلك الحد. ويقول دوران: لكننى متشائم، فأنا أرى الصفقة كمحطة لطيفة خادعة على الطريق الطويل الأليم، طريق التراجع الأمريكى من الشرق الأوسط.
وعلى العكس من ذلك، يرى الرئيس أوباما هذا الاتفاق باعتباره المرحلة الأولى فى عملية من مرحلتين. فهو يعتقد أن هذه العملية ستبلغ ذروتها باتفاق نهائى بعد ستة أشهر من الآن. وفى أكثر السيناريوهات تفاؤلا، سوف يكون هذا التقارب النووى بداية لشىء أكبر من ذلك بكثير. وسوف يفتتح حقبة جديدة فى العلاقات الإيرانية الأمريكية، على غرار افتتاح نيكسون للعلاقة مع الصين. ويمكن لأى شخص أن يخمن ما إذا كان أوباما نفسه يحلم مثل هذه المصالحة التاريخية، ولكن العديد من المعلقين متأكدون من ذلك.
غير أننى لست منهم، فبالنسبة للمسألة النووية بوجه خاص، لا أعتبر هذا الاتفاق المرحلة الأولى. فأنا أرى أنه لن يكون هناك اتفاقا نهائيأ أبدا. فما أقدمت عليه الإدارة لتوها عملية طويلة ومكلفة يدفع فيها الغرب إلى إيران مقابل الابتعاد عن التحول النووى. فنحن، فى الأساس، ندع لآية الله خامنئى من أجل أن يتباحث معنا. كل ما فعلنا إننا اشترينا ستة أشهر. فماذا كان الثمن.
لقد مزقنا القرارات الستة التى أصدرها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وهى تفرض على الجمهورية الإسلامية التخلى عن أنشطة التخصيب وإعادة المعالجة. وكشفنا التفتت فى التحالف ضد إيران. وبدأنا بناء جماعة ضغط اقتصادية عالمية تكرس نفسها لتخفيض العقوبات التى أصدرناها خلال عقد من العمل الدبلوماسى الصعب، والصعب جدا.
وذلك هو الثمن الذى يمكننا أن نراه بوضوح أمام أعيننا. ولكن أتساءل أيضا عما إذا كانت هناك تكاليف خفية فى شكل التزامات سرية نحو إيران من قبل أطراف ثالثة. وأفترض أن الإيرانيين طالبوا بتعويض اقتصادى مقابل كل تنازل قدموه. فهل ستظهر المدفوعات الموعود بها فى نص الاتفاق؟ وهل تقدم الأطراف الأقل من رئيسنا خضوعا لرقابة الكونجرس الامريكى امتيازات أيضا على الهامش؟ فى هذه المرحلة نحن لا نعرف ما إذا كان هناك، فى الواقع، ملحقا سريا للصفقة. وبمرور الوقت سوف نكتشف ذلك.
ولكن هناك تكلفة خفية يسهل التحقق منها، وهى حرية الحركة التى تمنحها الولايات المتحدة لإيران فى المنطقة وهذا هو الثمن الأكثر إزعاجا بالنسبة لى.
وأرى أن حرية الحركة كانت واضحة بالفعل فى صفقة الأسلحة الكيميائية التى قطعها أوباما مع الرئيس السورى بشار الأسد. وقد كنت أتشكك لفترة طويلة فى أن تراجع أباما عن سوريا، مبعثه جزئيا رغبته فى خلق حسن نية إيرانى فى المفاوضات النووية. وينمو الدليل على هذه الحالة يوما بعد يوم. ونحن نعلم الآن، على سبيل المثال، أن الإدارة فتحت قنوات تباحث خلفية ثنائية مع طهران قبل الأزمة سوريا. ولا يسعنى إلا أن أفترض أن الرئيس تراجع عن استخدام القوة ضد الأسد لأنه، جزئيا، رأى أن التحدى السورى يمثل جانبا فرعيا من المفاوضات النووية الإيرانية.
وأيا كان الحال، فإن الحقيقة التى لا يمكن إنكارها أن صفقة الأسلحة الكيميائية جعلت الولايات المتحدة شريكا صامتا للأسد. وقد استبعدت إدارة أوباما التهديد باللجوء للقوة، وهللت لالتزام سوريا بتدمير أسلحتها، باعتبارها إنجازا عظيما. غير أنها غضت الطرف عن آلة الأسد للقتل التى يتم تمويلها وتدريبها وتجهيزها من قبل إيران. ونتيجة لذلك، يتمتع الأسد وحلفاؤه الإيرانيون الآن بحية حركة أكبر بكثير فى الحرب الأهلية السورية.
وسوف تزيد الصفقة النووية من إخضاع العالم العربى لرحمة الحرس الثورى. وسيكون لدى إيران الآن المزيد من المال ــ أموالنا ــ لتوجيهه لوكلاء مثل حزب الله. لا يمكن لواشنطن فضح القبضة الحديدية لقوة القدس دون تعريض التقارب النووى للخطر، وهكذا، فلديها حافز إيجابيا لتجاهل كل التخريب والترهيب الإيرانى فى المنطقة.
وسواء كان أوباما يدرك ذلك أم لا، فقد كشف الآن أن الولايات المتحدة لا يمكن الاعتماد عليها للوقوف فى وجه ايران. ومن ثم، ستضطر إسرائيل وحلفاؤنا العرب لاستخدام الدهاء. وستواصل بعض الجهات، مثل السعوديين، الحرب بالوكالة مع إيران مع تجدد عنف. وسوف يلجأ البعض الآخر ببساطة للتحوط. وسوف يتخذون لأنفسهم خطا مباشرا إلى طهران، مثلما بدأ يظهر فى موسكو العديد من الجهات الفاعلة الإقليمية بعد صفقة الأسلحة الكيميائية السورية. وسوف يشهد النفوذ الأمريكى مزيدا من التدهور.
وذلك، باختصار، الثمن الحقيقى الذى دفعناه مقابل مدة ستة أشهر من الهدوء الظاهرى على الجبهة النووية. وهو ثمن فى شكل الهيبة، الذى لن يلاحظه معظم الأمريكيين. بل هو أيضا ثمن من الدم. ولكن ليس من دمنا، لذلك سوف يفشل الأمريكيون أيضا فى التعرف على الصلة بين العنف والصفقة النووية. من المهم أن نلاحظ، مع ذلك، أن هذا هو مجرد السعر المبدئى. وبعد ستة أشهر من الآن، عندما ينتهى أجل الاتفاق المؤقت، وسوف تكون هناك دفعة أخرى لآية الله خامنئى. وسيكون على أوباما الاعتراف بأنه عقد صفقة سيئة الآن. لذلك، سوف يدفع رغم أنفه