كان المشهد مهيبا ومبهجا أمام مجلس الدولة أمس، حيث احتشد مصريون ومصريات، من كل الأعمار والطبقات والأطياف السياسية دعما لابنتهم وأختهم سميرة إبراهيم ضحية فضيحة كشف العذرية على أيدى بعض الضباط.
فى الشارع الذى يقع به مجلس الدولة كان مئات من النشطاء يقفون منذ الصباح الباكر، وجوه سياسية وإعلامية معروفة، وثوار من الميادين يرفعون اللافتات ضد القمع والانتهاكات والتعذيب والانحطاط الأخلاقى، ويهتفون من أجل الحرية والكرامة الإنسانية.
وفى وسط هذا الزحام لم يخل الأمر من «مواطن شريف» يمر بالمصادفة أو جاء خصيصا لافتعال مشاكل صغيرة أو إثارة نقاشات، مبتدئا بعبارة منافية لأبسط مبادئ الحس الإنسانى والفطرة السوية هى «تستاهل إيه اللى وداها الميدان» وكأن ذهاب آية فتاة مصرية إلى الميدان بمثابة تصريح بانتهاك كرامتها وإهانة آدميتها وسحلها تحت بيادات العسكر، ثم تعريتها فى عرض الطريق أو فحص عذريتها فى المعتقلات.
غير أن كل ذلك كان أشبه بفقاعات لا تصمد أمام هذا الاصطفاف النبيل خلف ضحايا جريمة ضد الإنسانية تنتمى إلى عصور البربرية، فها هم الليبراليون والسلفيون والاشتراكيون يجتمعون معا مرة أخرى على هتاف واحد، رافعين شعارات واحدة، وفى موقف يعيد إلى الذاكرة المتعبة قبسا من روح 25 يناير جمعنى لقاء مع الناشطة بثينة كامل المرشحة المحتملة للرئاسة، وعدد من شباب الدعوة السلفية يتقدمهم الدكتور حسام أبوالبخارى، ودار نقاش هادئ ومتحضر، انتهى إلى أن كل الموجودين فى المكان مجتمعون على كلمة سواء.
غير أن اللافت أن بوسترات الدعوة السلفية كانت حاضرة بكثافة «نساء مصر خط أحمر» فيما رفع بعضهم لافتات مكتوبة بخط اليد تقول «عاوز حق أختى سميرة» فى رد غير مباشر على الاتهام الموجه إلى السلفيين بأنهم يتمسكون بشعار «عاوز أختى كاميليا»، بينما يغضون الطرف عن الانتهاكات التى تمارس ضد بنات الثورة.
والجميل فى المشهد أن المحتشدين كانوا سلفيين عاديين، وليسوا من سلفيى صناديق الانتخابات، جاءوا كمصريين وكبشر فى الأساس، بلا دعاية أو استثمار للمناسبة كما أكدوا.
وفى الداخل امتلأت أروقة مجلس الدولة وقاعة المحكمة بأعداد غفيرة جاءت تعلن تضامنها، فى صورة مصرية شديدة التحضر، ولم تغادر حتى نطق القاضى بالحكم الذى انتصر للكرامة الإنسانية وأدان أعداءها فهتفت الجموع «يحيا العدل» وانطلقوا فى مسيرة حاشدة للاحتفال فى ميدان التحرير.
إنه يوم جميل آخر، لو وضعت أحداثه بجوار مسيرة أهالى العباسية أمس الأول ضد انتهاكات العسكر ومهاترات إعلام الجاموس والأعلاف، بجوار مؤتمر حاشد فى ساقية الصاوى دفاعا عن الثوار، ستعرف أن أحدا مهما بلغ جبروته لن يهزم ثورة المصريين المدهشة.