أخطات مرة فى حق الشعب الفلسطينى. أخطأت حين ساهمت بجهد كبير فى دعم الدعوة إلى أن تكون منظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطينى. لم أتوقع أن تكون نية الدول العربية التى اتخذت القرار أن تقول لهم اذهبوا أنتم وربكم فقاتلوا...أما نحن... الفلسطينيين الآن أمام لحظة فارقة فى تاريخ نضالهم من أجل استعادة حقوقهم. الواضح أن للربيع العربى سمات عربية عامة بقدر ما يتصف بسمات قطرية. فيقدر ما كان لكل ثورة ظروفها وجد أيضا ما يربط بينها. قيل إن شباب الربيع العربى قامت بينهم اتصالات إلا أن هذه الاتصالات حتى إن وجدت فلن تقدم تفسيرا مرضيا للحماسة الشعبية التى رافقت اللحظات المبكرة للثورات.
المواطن العربى العادى يسأل: لماذا أرى مظاهرات فى القاهرة وفى تونس وفى اليمن وفى مواقع أخرى فى معظم البلاد العربية ولا أرى مظاهرات فى غزة وفلسطين. أتصور أن كثيرا من الفلسطينيين يسألون أين ربيعنا. الإسرائيليون يتساءلون أين سيذهب الربيع العربى، وهم يقصدون كيف ستكون امتداداته داخل فلسطين. لقد حصل شىء بالفعل حين طرح نبيل العربى مبادرته عندما كان وزيرا للخارجية، وعمل على فتح ممرات مع فلسطين والسماح بدخول الفلسطينيين إلى مصر. هذا يحدث بينما بدأ الرأى العام العالمى يمل ما يسمى بالدلال الإسرائيلى. بدأ الملل رغم أن الإسرائيليين مازالوا يسيطرون على سياسات دول أوروبية كثيرة سيطرة كاملة. هم بالفعل خلقوا نوعا من الرعب فى أوروبا وفى أمريكا. وفى رأيى أننا يجب أن نعتبر ظهور منظمة مثل جى ستريت ظاهرة من ظواهر نفاد الصبر تجاه إسرائيل التى تطلب ولا تعطى، تأخذ ولا ترد. كثير من الجامعات ونقابات العمال ومثقفين وصحفيين فى الغرب يشنون حملة يصورها الإسرائيليون على أنها حملة لنزع الشرعية من إسرائيل، بينما الواقع يقول إن الاحتلال هو الذى ينزع الشرعية عن إسرائيل.
●●●
لا أرى فائدة كبيرة من مقاومة تمارسها قوى فلسطينية فتصيب بها أفرادا بجروح، إن أصابت، بينما يفقد الجانب الفلسطينى مئات القتلى. مقاومة لا قيمة لها. كذلك فإن الطريق للاستقلال والتحرير لن يمر بأسلوب توزيع الغنائم بين عدد من القادة الفلسطينيين. الشعب الفلسطينى مستعد الآن أن يقول لمن يدعون أنهم قادة «تحبوا تمشوا وتقودوا مسيرتنا أهلا وسهلا، وإذا لم تريدوا سنذهب نحن ونقاتل من غيركم ولسنا بحاجة إليكم، هذا ما فعله المصريون والتونسيون ولسنا أقل منهم».. أنا قلت لسلام فياض رئيس الوزراء «انظر إلى المصريين والتونسيين وقد أطاحوا بأنظمة كانت محسوبة أنها لا تقهر.. المصريون قالوا بأعلى صوت لن نعود إلى بيوتنا حتى يسقط النظام. الفلسطينيون يجب أن يخرجوا إلى الميادين والشوارع ويقولوا للعالم بأسره أنهم لن يعودوا إلى بيوتهم حتى يتم إنهاء الاحتلال».
خلال لقاء جرى منذ أيام قليلة مع أحد الأصدقاء الأجانب تحدثنا عن قطاع غزة وشبهناه بمعسكر اعتقال. كلنا نعرف أنه فى معسكرات الاعتقال النازية كان المعتقلون يرتدون بيجامات مخططة. سألنا أنفسنا لماذا لا يرتدى جميع أهل غزة، نساء ورجالا وشيوخا ومرضى ومعاقين، بيجامات مماثلة، بدلا من هذه الملابس الملونة الحمراء تارة والخضراء تارة أخرى التى يرتدونها فى المهرجانات، ويعتصمون فى الميادين والمدن الغزاوية. ساعتها لن نحتاج إلى مقالات تنشر فى الخارج تثبت أن غزة معسكر اعتقال.. صورة واحدة لأهل غزة معتصمين فى الميادين بالبيجامات المخططة تكفى.
نفكر فى غزة، ونفصلها عن الضفة كلما تحدثنا عن فلسطين. لماذا لا نطالب شعب غزة بالتضحيات ولا نطالب سكان الضفة الغربية بتضحيات مماثلة إن لم تكن أكثر. لا أنكر أن الاعتصامات التى تجرى بين الحين والآخر على طول الجدار جديرة بالاهتمام والدعم وكثيرا ما ينضم إليها إسرائيليون وأجانب. نحتج بأعلى صوت فى كل مرة منع الاسرائيليون الشباب من الدخول إلى المسجد الأقصى للصلاة فيه. لماذا لا يحشدون آلاف الشباب من سكان الضفة الغربية أمام عشرات الحواجز ويؤدون الصلاة كل يوم جمعة، وفى كل مناسبة، أمام الكاميرات والمراسلين الأجانب.
●●●
لن يستطيع أهل الغرب المعجبين الآن بالربيع المصرى والربيع التونسى أن يرفضوا الربيع الفلسطينى إن قرر الفلسطينيون أن يكون لهم ربيع كبقية العرب. لن يجرؤ الغربيون على إطلاق صفات الإرهاب عليه أو اتهام الفلسطينيين بنية نزع الشرعية من إسرائيل. لماذا نفترض أنهم لن يعجبوا باستخدام الفلسطينيين لوسائل الاتصال الحديثة، كالفيس بوك والتويتر. دعونا نستفيد من إعجاب الغرب بربيع تونس ومصر وسوريا بتشجيع الفلسطينيين على أن يكون لهم ربيعهم أسوة بالمواطنين العرب فى كل مكان. لماذا لا نفعل فى بلادنا ما تفعله الشركات الغربية التى تنزع استثماراتها من إسرائيل وتقاطع السلع المنتجة فى المستوطنات. أولى من بقية العرب أن يبدأ الفلسطينيون أنفسهم بحملة نزع استثمارات ومقاطعة البضائع المنتجة فى المستوطنات. ولا شك عندى فى أن أهل فلسطين أقدر منا جميعا على إعداد دراسات عن السلع التى تنتج فى المستوطنات وتوزيعها علينا وعلى العالم بأسره.
●●●
يجب التوقف عن ممارسة السلوك السلبى ولا يجوز ان نستسلم. من كان يقول أن نظام الاستبداد فى مصر يسقط فى أقل من شهر؟ من كان سيصدق فى عام87 أن نيلسون مانديلا سوف يخرج من سجنه بعد عامين ويقود بلاده نحو القضاء على العنصرية. لا أستطيع أن أنسى كلمة مانديلا التى قال فيها إنه مستعد أن تفنى حياته من أجل تحقيق المساواة بين جميع أفراد شعب جنوب إفريقيا، وأنه مستعد أن يموت يوم يخرج من السجن. ما قالة مانديلا عام 1964 بقى صالحا حتى عام 1990.
يقال إن الفلسطينيين خائفون من أن تتسبب المطالبة بالحرية فى مشكلات كتلك التى تعانى منها الآن شعوب مصر وتونس واليمن وسوريا.. أقول لهم إن الطريق للربيع العربى ليس مفروشا بالورود، وأذكرهم فى الوقت نفسه بأنهم كانوا من أوائل الذين استفادوا من ربيع العرب، لأنهم ما كانوا ليحصلوا على حق الانضمام لمنظمة اليونسكو لو لم يكن العالم منبهرا بثورات الربيع العربى، هذه الثورات التى منحت دولا كثيرة الشجاعة لتقول لأمريكا وإسرائيل سنقف هذه المرة مع الشعب الفلسطينى بعد ما رأيناه من بسالة شعوب عربية أخرى واستعدادها لبذل التضحيات الحصول على حقوقها.