لا أعرف من الذى نصح الرئيس وهو يدعو للحوار الوطنى، بالإشارة إلى أن سيادته قد دعا من قبل لحوارات مماثلة وأن هذا هو منهجه فى العمل، ألا يعرف الرئيس ومن حوله ماذا فعل قادة حزبه الحرية والعدالة بهذا الحوار، وأنه غير ملزم لهم، رغم مشاركتهم فيه، مثلما سيشاركون فى الحوار الجديد، وأن جماعة الإخوان على لسان متحدثها الدكتور محمود غزلان استنكرت المشاركين فى الحوار الوطنى باعتبار أنهم غير منتخبين، وأن الشرعية كلها لمجلس الشورى الذى انتخبه الشعب، فإذا كان الأمر كذلك بالفعل، فلماذا يدعو الرئيس لحوار جديد وحزبه وجماعته لا يرون فيه فائدة أو شرعية؟ ولماذا لا يذهب الرئيس إلى مجلس الشورى للحوار معه للخروج من الأزمة، وهو المجلس الذى غضب أعضاؤه من قبول ترشيح محافظ البنك المركزى على عجالة، ولم نسمع حتى الآن أى صوت يعترض على قيام الرئيس بإعلان حالة الطوارئ دون الرجوع لهم كما ينص الدستور الجديد.
ألا يذكر سيادة الرئيس ومن حوله، أن الحوار الوطنى الذى دعا له من قبل، كان فى مقدمة قراراته تشكيل لجنة تحقيق فى أحداث قصر الاتحادية، التى سال فيها الكثير من الدماء، وهى اللجنة التى لم نسمع عنها أو منها أى شىء حتى الآن، (أو من أى طرف أو جهة أخرى) فى تحد صارخ لكل من شارك فى الحوار، ألم يكن من أهداف هذا الحوار تعديل بعض مواد الدستور المختلف عليها لتعديلها بضمان من الرئيس شخصيا وهو التعديل الذى لم يتطرق له الحوار، باستثناء ما ذكره نائب الرئيس السابق قائد الحوار المستشار محمود مكى الذى أشار إلى أن هناك ما بين ١٢ و١٥ مادة تحتاج إلى تعديل؟ وأخيرا الم يتعهد الرئيس بأنه ملتزم بتنفيذ كل ما ينتج عن الحوار، ثم خرج متحدثه الرسمى ليؤكد لنا أن الرئاسة لا تتدخل فى عمل مجلس الشورى، فهل كان الرئيس إذن يخدعنا عندما التزم بالتنفيذ أم أن حزبه وجماعته هما اللذان خدعاه (وخدعانا أيضا) بما فعلا بعد ذلك، واضطر سيادته للحديث عن عدم تدخل الرئاسة فى عمل المجلس الذى يقوم بالتشريع (وكأن الرئاسة كانت لا تعرف ذلك قبل تعهدات الرئيس، أو كان مسموحا لها التدخل فى اعمال مجلس الشورى).
وأيا كانت الأسباب، فكل ما حدث فى الحوار الوطنى السابق يجب غلق الباب عليه ونسيانه، لأنه كان أقرب للفضيحة منه للحوار، واذا كان الرئيس جادا فى حوار وطنى لإنقاذ البلاد، فعليه الاعتذار عما سبق له الإشارة اليه، بل على حزبه وجماعته ومجلس شوراه أن يعلنوا ذلك، إذا كان لديهم النية فى المشاركة الجادة لإنقاذ البلاد مما يحدث بها، وما يحيق بها من مخاطر حقيقية لا تبقى ولا تذر، أما تصريحات الإحساس بالذات والشعور بالسلطة والهيمنة، فلن تجعل أى طرف يشارك فى حوار محاط بالشروط والغرور والغطرسة.
ولأن كل ذلك حدث من قبل، فإنه أصبح من الضرورى أن يسبق هذا الحوار قرار من الرئيس، يكشف فيه عن استجابته لبعض المطالب العاجلة، التى هى معلنة فى ميادين مصر، ويعرفها الرئيس وتعرفها جماعته، ولا تحتاج لتضحيات عظيمة، وعلى من ورطوه من قبل أن يساعدوه الآن، خاصة فى قضية استقلال القضاء واحترام احكامه على الأقل حتى يقتنع اهل بورسعيد الذين طالبهم باحترام احكام القضاء.
قرار أو قرارات عاجلة تصدر أو يعلن عنها قبل بدء الحوار.. حتى نصدق أن الحوار هذه المرة يهدف فعلا للحل لا لمزيد من المراوغة التى ستودى بهم وبنا إلى هلاك قريب.