«حب الوطن مسألة عقيدية ودينية، ولابد أن يتم تصحيح الانتماء ليكون للدين ثم الوطن، وتغليب مصالح الوطن على المصالح الشخصية والفئوية».
وقفت أمام العبارة السابقة أكثر من نصف ساعة لأفهم شيئا محددا، فلم يسعفنى جهلى وغبائى لإدراك المعانى الخفية والغايات الخطيرة خلفها.
العبارة للشيخ محمد حسان، والمكان الذى قيلت فيه هو مقر جريدة «اليوم السابع» وأنقلها من موقع الجريدة رأسا.. أما المناسبة فلم تكن فقط «تصحيح الانتماء» وإنما كانت تبديل المواقف وتعديل المبادرة الشهيرة التى أطلقها الشيخ من «لا للمعونة الأمريكية» إلى «دعم مصر».
وبما أننا نعيش فى وطن واحد به أكثر من دين فإنى أسأل الشيخ حسان: هل يقبل أن يخرج مواطن مسيحى ليعلن أن مسيحيته أهم لديه من مصر؟ ولو حصل ذلك ألن يجد هذا المواطن المسيحى نفسه متهما من كثيرين بأنه يمثل خطرا على الوطن لأن انتماءه الأول ليس له وإنما للمسيحية؟
وماذا لو دخلت مصر حربا مع دولة غربية دينها الأساسى المسيحية، هل يحارب المسيحى المصرى وطنه مصر انتصارا لعقيدته وانتمائه الأول والأهم ــ بمعيار الشيخ حسان ــ وهو دينه المسيحى؟
إن المفارقة الصادمة هنا أن الشيخ يقول هذا الكلام فى سياق ما اعتبره مبادرة لإنقاذ مصر من التفتت والتقسيم على وقع أزمة جريمة استاد بورسعيد، لكنه من حيث لا يدرى أو يدرى يأتى بخطاب تقسيمى انعزالى، من خلال تقسيم الانتماء إلى انتماءين، الأول والأولى للدين، والثانى للوطن، ولو مددت الخط على استقامته إلى النهاية ستجد نفسك تفكر فى كابوس مرعب تتحول فيه مصر إلى مصرين، مسلمة ومسيحية.
وقبل أن تفكر فى هذا التحول الدرامى تذكر أن الشيخ حسان كان قد شمر عن ساعديه وامتشق حسامه وامتطى حصانه وأطلق صيحة الجهاد ضد أمريكا ومعونتها، معلنا أنه قادر على جمع مبلغ المعونة فى ساعات، وهى المبادرة التى أنعشت حماسة فايزة أبوالنجا، فتقمصت شخصية الخنساء، وصاحت «إلى الجهااااااااااااااااااااد» وبعدها كان الجنزورى يتحدث أمام البرلمان وكأنه «رئيس الحكومة بأمر الله» مداعبا المزاج الدينى للأغلبية البرلمانية بعبارات من عينة أن إرادة الله جعلته رئيسا للوزراء.
وبينما الجميع يتأهبون لغزوة المعونة، تحت لواء الشيخ حسان، يفاجئنا الشيخ بتصريح يقلب الأمور رأسا على عقب بقوله ــ وقوله سديد دائما ــ إن مبادرته «دعم مصر» تهدف إلى دعم الاقتصاد، وعائدها لن يوجه إلى الموازنة العامة، ولكن لدعم الأنشطة الصحية والاقتصادية والتعليمية ولا علاقة لها بإلغاء المعونة الأمريكية من عدمه، مؤكدا وجود استجابة كبيرة للمبادرة من طوائف المجتمع، مطالبا الجميع بالتكاتف وإعادة أموالنا المهربة للخارج كى يجتاز الاقتصاد أزمته».
ماذا جرى فى كواليس السياسة لكى يجرى الشيخ هذا التعديل الكبير على مبادرته؟