الإيرانشهرى - يوسف زيدان - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 11:11 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الإيرانشهرى

نشر فى : الأحد 29 مارس 2009 - 8:52 م | آخر تحديث : الأحد 29 مارس 2009 - 8:52 م

 من العلوم الغائبة عن واقعنا المعاصر، علم مقارنة الأديان. وهذا الغياب ليس وليد اليوم، إذ إن إهمال هذا الجانب يعود إلى بواكير ثقافتنا العربية الإسلامية، ففى زمن البدايات لم يهتم مفكرونا بالآخرين، صحيح أنهم كتبوا ما يسمى بكتب العقائد، مثل: ابن حزم فى (الفِصَل فى الملل والأهواء والنِّحَل) والشهرستانى فى (الملل والنحل) والمسبِّحى فى (دَرْك البغية) والنوبختى فى (الآراء والديانات) وأمثالُ هؤلاء، فى مثل هذه الكتب؛ فهو وصفٌ عامٌ لعقائد الفرق، والجماعات الإسلامية وغير الإسلامية، لا أكثر. فكانت هذه المؤلفات المذكورة، حقيقة، فى مجال التأريخ للاعتقادات والتعريف بالمعتقدات، وليس فى مقارنة الأديان.

وأعتقد أن تراثنا القديم لم يعرف التأريخ للعقائد، أو مقارنة الأديان، إلا مع عالمين فقط يمثلان حالة فريدة فى التراث العربى الإسلامى، ويمكن النظرُ إلى إنتاجهما الفكرى على اعتبار أنه تأريخٌ جيدٌ للعقائد، أو مقارنةٌ للأديان أو مقاربةٌ بين المذاهب. الأول منهما رجلٌ مشهورٌ هو أبوالريحان البيرونى، فى كتابيه: الآثار الباقية عن القرون الخالية، تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة فى العقل أو مرذولة. والرجلُ الآخر اسمه أبوالعباس الإيرانشهرى، وهو على أهميته مغمورٌ، فُقدت كتبه منذ زمن طويل، ولم نعرف عنه شيئا إلا من خلال إشارةٍ لناصر خسرو فى كتابه (سفرنامة) ومن عبارةٍ حاسمة، أوردها عنه البيرونى حين قال: وكان قد وقعَ المثالُ فى فحوى الكلامِ على أديانِ الهند ومذاهبهم، فأشرتُ إلى أن أكثَرها مما هو مسطورٌ فى الكُتبِ، هو مَنحولٌ، وبعضُها عن بعضٍ منقولٌ، وملقوطٌ مخلوطٌ، غير مهذَّبٍ على رأيهم ولا مشذَّبٍ. فما وجدتُ من أصحابِ كُتب المقالات أحدا، قصدَ الحكاية المجرَّدةَ من غير ميلٍ ولا مُداهنةٍ، سوى أبى العباس الإيرانشهرىِ، إذ لم يكن مِن جميعِ الأديان فى شىءٍ، بل منفردا بمخترَعٍ له يدعو إليه، ولقد أحسنَ فى حكايةِ ما عليه اليهودُ والنصارى، وما يتضمنُه التوراةُ والإنجيلُ، وبالغَ فى ذكرِ المانوية وما فى كُتبهم من خبر الملَلِ المنقرِضَة.

وقد نجا من كتب البيرونى (تحقيق ما للهند من مقالة) و(الآثار الباقية) فعرفنا من خلالهما، كثيرا عن عقائد الهند القديمة.. أما الإيرانشهرى، فقد مُحيت كتبه بالكامل، وطويت. وقد ظَلَلَتُ لأكثر من عشرين عاما، أُنَقِّبُ عن مؤلفاته فى عالم المخطوطات، فلم أجد ورقة واحدة. بل لم أجد عنه إلا الإشارة الوحيدة التى أوردها عنه ناصر خسرو.. فكم من تراث ضاع ، وكم من علوم قد انطوت

يوسف زيدان كاتب وروائي مصري
التعليقات