الكلمة والحرف - أحمد الصاوى - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 5:45 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الكلمة والحرف

نشر فى : الأربعاء 29 مايو 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأربعاء 29 مايو 2013 - 8:00 ص

فى صياغة الدساتير كل لفظ له دلالته، ربما يغير حرف واحد تاريخا، أو تؤدى زيادة ألف ولام إلى استنباط دلالات جديدة للنص، لذلك كان صناع الدساتير دائما صنايعية بالمعنى القانونى، وأيضا لديهم إلمام حقيقى باللغة وخطورتها فى التعبير الدقيق عما يقصده المشرع الدستورى.

 

غير حرف واحد فى تعديلات دستور ٧١ أواخر عهد السادات تاريخ مصر. مادة الفترة الرئاسية تحولت من مدة إلى مدد. وبعد أن كانت الفترة الرئاسية ٦ سنوات يجوز تمديدها لمدة أخرى، تم تعديلها بإزالة التاء المربوطة وإضافة دال، فصارت «يجوز تمديدها لمدد أخرى» ودفعنا ثمن ذلك ٣٠ عاما من حكم مبارك بعد أن اغتيل الرئيس السادات ولم يستفد من هذا التعديل.

 

ولمست بنفسك عيوب الصياغة فى الدستور الجديد ليس فقط فى مسألة تصويت العسكريين المثارة حاليا، لكن فيما يخص أيضا عزل قيادات ونواب الحزب الوطنى، فإرادة واضع النص كانت تقصد تطبيق العزل على قيادات الحزب التنظيمية وكل من كان نائبا عن هذا الحزب فى برلمان ٢٠٠٥ أو ٢٠١٠، لكن من صاغوا المادة ٢٣٢ كتبوها: «تمنع قيادات الحزب الوطنى المنحل من ممارسة العمل السياسى.. لمدة عشر سنوات.. ويقصد بالقيادات كل من كان عضوا بالأمانة العامة أو بلجنة السياسات أو بمكتبه السياسى، أو كان عضوا بمجلس الشعب أو الشورى فى الفصلين التشريعيين السابقين على قيام الثورة».. لم يقل من كتب هذه المادة «أو كان عضوا فى أحد الفصلين التشريعيين» وإنما قال «عضوا فى الفصلين التشريعيين»، والفارق لغويا واضح جدا وفسرته المحكمة الدستورية بأن المقصود من كان عضوا فى كلا الفصلين، أى كان نائبا فى ٢٠٠٥ وفى ٢٠١٠، أما من كان نائبا فى أحدهما وفقط فلا يسرى عليه الحرمان.

 

المحكمة هنا لم تكن ترغب سياسيا فى إعفاء بعض نواب الوطنى من الحرمان، لكن من صاغ المادة هو الذى رغب فى ذلك بحسن نية أو لأنه غير مؤهل لصياغة نص دستورى والتعبير عن الإرادة الحقيقية لواضعيه، هذه مشكلة من كتب الدستور إذن وليست مشكلة المحكمة التى التزمت بنص الدستور كما وافق الشعب علىه.

 

فيما يخص تصويت العسكريين تساءل البعض عن وجود ذات المادة فى دستور ٧١ دون أن تتطرق لها المحكمة لمدة ٤٠ سنة، ورغم أنه صار مؤكدا أن أحدا لم يطعن على هذه المادة ولم تعرض على المحكمة إلا فى سياق القانون الذى أرسله مجلس الشورى لتمارس المحكمة رقابتها السابقة عليه، إلا أن هناك فارقا لغويا شاسعا بين المادة ٦٢ من دستور ٧١ والمادة ٥٥ من الدستور الحالى حسب رأى عدد من المختصين دستوريا ولغويا.

 

المادة ٦٢من دستور ٧١ تقول: «للمواطن حق الانتخاب وإبداء الرأى فى الاستفتاء وفقا لأحكام القانون». والمادة ٥٥ من الدستور الحالى تقول: «لكل مواطن حق الانتخاب، والترشح، وإبداء الرأى فى الاستفتاء، وينظم القانون مباشرة هذه الحقوق». والفارق بين المادتين هو الفارق بين جملة «وفقا لأحكام القانون» وبين «وينظم القانون»، فالصنايعى الذى كتب مادة الدستور السابق فوض القانون فى وضع أحكام، أما الصنايعى «الخيبان» الذى كتب المادة فى الدستور الجديد، فقد أعطى القانون تنظيم الحق وفقط دون وضع أحكام. والفارق شاسع بين من ينظم وفقط وبين من يقرر الأحكام، لأن من ينظم مهمته تسهيل أداء الجميع هذا الواجب، ومن يقرر الأحكام يمكن بموجب هذا التفويض أن يقيد حق جهات فى ممارسة حقها وواجبها الانتخابى.

 

هل مازلت مقتنعا أن المشكلة فى المحكمة الدستورية، أم فى أولئك الذين لا يدركون أثر الكلمة والحرف؟

أحمد الصاوى كاتب صحفي
التعليقات