بغض النظر عن الأرقام النهائية التى ستعلنها اللجنة العليا لانتخابات الرئاسة بشأن نسبة المشاركة، أو عدد الأصوات التى سيحصل عليها الرئيس المنتظر عبدالفتاح السيسى، ستبقى الحقيقة المؤكدة وهى أن قطاعا ممن نزل يوم 30 يونيو من أجل إسقاط حكم جماعة الإخوان المسلمين ورئيسها محمد مرسى لم يجد فى نفسه الحماسة للمشاركة فى الانتخابات.
وحتى إذا جاءت الأرقام النهائية لنسبة المشاركة أعلى من النسبة فى الاستحقاقات السابقة فإنها لن تكون إلا انعكاسا لحملة ترغيب وترهيب دفعت الكثيرين دفعا إلى النزول والتصويت فى الانتخابات.
إذن نحن أمام انتخابات رئاسية فشلت فى إقناع الناخبين بالمشاركة فيها بنفس معدلات الاستحقاقات السابقة وهو ما ينطوى على عدة رسائل بالغة الأهمية يجب أن يتوقف عندها كل من يعنيه أمر هذه البلاد وفى المقدمة «الرئيس غير المعلن» عبدالفتاح السيسى.
أولى هذه الرسائل أن قطاعا كبيرا من الشعب يرفض فكرة منح الرئيس «شيكا على بياض». فالمرشح الواثق من فوزه عبدالفتاح السيسى وحملته الانتخابية تعاملا مع الناخبين والمعركة الانتخابية بقدر كبير من التعالى، فلا برنامج انتخابيا قدم ولا مؤتمرات جماهيرية عقد، وبلا مناظرة خاضها، ولا بذل أى جهد من أجل الوصول إلى الشعب قبل الانتخابات لأنه تصور أن رفض الشعب للإخوان المسلمين بعد فشلهم هو تفويض مفتوح له، فجاء الرد من الناخبين الذين ردوا على عدم اكتراث المرشح وحملته بهم بعدم اكتراث مماثل فلم ينزلوا إلى الانتخابات.
ثانية الرسائل أن المزاج الشعبى يتبدل بسرعة وأن فكرة التأييد الدائم لأى شخص لم تعد قائمة. فعشرات الملايين الذين استجابوا لنداء السيسى ونزلوا إلى الشوارع فى «مليونية التفويض» يوم 26 يوليو الماضى لم ينزلوا بنفس الكثافة لاختيار الرجل فى الانتخابات، وربما انتقل بعضهم من معسكر الموالاة إلى معسكر المعارضة وهو أمر إيجابى فى كل الأحوال لأنه يعكس حيوية سياسية فى المجتمع تفرض على السلطة اليقظة الكاملة من أجل الحفاظ على شعبيتها.
ثالثة الرسائل أن الشعب المصرى لا يخضع لنظرية القطيع وأنه لا يكفى للمرشح الرئاسى أن يحظى بدعم تيار دينى ولا كبار رجال الأعمال ولا حتى الإمبراطوريات الإعلامية الخاصة لكى يضمن السيطرة على الرأى العام. فما رأيناه هو حملات انتخابية فشلت فى إقناع الناس بجدوى المشاركة فانصرف الناخبون عن اللجان وفشلت كل أدوات الحشد فى تغيير موقفهم.
ولكى تكتمل الصورة يجب الاتفاق على استبعاد 50% تقريبا من الناخبين من الحديث عن العزوف لأن هؤلاء لم يشاركوا فى أى استحقاق انتخابى طول السنوات الأربع الأخيرة وبالتالى فهم خارج أى تحليل أو مناقشة. إذن فمن نتحدث عنهم باعتبارهم عزفوا عن المشاركة فى الانتخابات الرئاسية الأخيرة يمثلون حوالى 15% من الناخبين الذين تباينت أسباب عزوفهم بكل تأكيد.
وأخيرا إذا أراد السيسى النجاح فى رئاسته للبلاد فعليه إعادة النظر فى كل خطواته وخياراته منذ أن خلع سترته العسكرية وأعلن خوضه انتخابات الرئاسة، بعد أن بات واضحا أن الكثير من هذه الخيارات والتحركات فشلت فى الحفاظ على شعبيته الواسعة.