جمال مبارك عدو نفسه - وائل قنديل - بوابة الشروق
الأحد 19 مايو 2024 7:39 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

جمال مبارك عدو نفسه

نشر فى : الأحد 29 أغسطس 2010 - 11:02 ص | آخر تحديث : الأحد 29 أغسطس 2010 - 11:20 ص

 السيد جمال مبارك والذين معه فى تنظيم الفكر الجديد أعلم من كل علماء مصر المتخصصين فى المياه.. وأفهم من كل خبراء مصر والعالم المتخصصين فى الزراعة.. هم أوعى من العلامة الدكتور فاروق الباز وأدرى من العالم الدكتور أحمد مستجير.. وأكثر إلماما من الأستاذ حمام (نجيب الريحانى فى فيلم غزل البنات) بشئون الكرات والفجل الرومى.
ولأنهم كذلك، ولأننا فى نظرهم قطيع من الحمير الحصاوى فالمطلوب منا أن نقتنع بما تفتقت عنه عبقريتهم الفذة فأفتوا بأن سياسة الاكتفاء الذاتى من القمح فكرة غير علمية.

يقول جمال مبارك، بعد هدم فكرة الاكتفاء الذاتى من القمح «الأهم هو التركيز على زيادة الإنتاج وزيادة دخل الفلاح ومساعدته فى زيادة مستوى معيشته»، وهذا يشبه أن يعلن طبيب نجاح العملية بعد أن ضحى بالجنين والأم وطاقم التمريض وهدم المستشفى.

ولا أدرى من أين عرف جمال مبارك أن الاكتفاء الذاتى من القمح فكرة غير علمية، لاعتبارات ومحددات منها مشكلة المياه؟
فى حدود معلوماتى أن جمال مبارك لم يعفر قدميه بتراب الحقول (كما يحلو لرافضى الدكتور البرادعى أن يقولوا، مدللين على أنه لا يصلح لقيادة مصر) وإذا علمت أنه كان يتحدث وحوله وزير الزراعة ووزير الإسكان (الذى قال للرئيس مبارك إنه لا يمكن التوسع فى زراعة القمح لأن ذلك سيستهلك حصتنا من المياه) ستعرف على الفور من صاحب هذه النظرية العبقرية.. الباطل الذى يراد به باطل كما قلت من قبل.

غير أن فتوى جمال مبارك التى أطلقها وهو محاط بجموع الفلاحين فى إحدى قرى البحيرة تكشف مجددا أن زراعة القمح فى مصر ليست موضوعا فنيا، بل هى مسألة سياسية وأخلاقية وقيمية بالأساس، وأكرر أن هؤلاء مخلصون تماما لأفكارهم وعقيدتهم التى لا تتزعزع، وأوفياء لكرههم الاستراتيجى لقيمة ألا تمد يدك للآخرين لكى تأكل، هم أبناء بررة لمنظومة وجدانية، تكره خبز الأمهات، وتجعل رائحة القمح فى طواحين القرى صدرهم ضيقا حرجا كأنما يصعد فى السماء.

لكن المفاجئ حقا أن هذا الكلام جاء والساعى إلى وراثة حكم مصر فى جولة جماهيرية بحثا عن مؤيدين لمرشحى الحزب الوطنى فى الانتخابات البرلمانية المقبلة، ولمشروع التوريث بالمرة، وأزعم أن المناوئين للحزب ولأمين لجنة سياساته لو سهروا الليالى بحثا عن وسائل لضرب حملة الحزب الحاكم فى الصميم لما وجدوا أنجع وأفضل من تصريحات جمال مبارك الذى كان سخيا ومعطاء للغاية فى تقديم دليل إضافى على أن هؤلاء وما يطرحونه لا يصلح لدولة بحجم مصر.

وأذكر أن أحد رموز طبقة الزراع فى محافظة البحيرة، الفلاح الفصيح محمد برغش، كان قد لوح بأن الفلاحين سيردون بقوة على السياسات الزراعية الحالية التى جوعت الفلاح وأبكت الأرض والزرع عبر صناديق الانتخابات المقبلة، وأظن أن خمسة ملايين أسرة مصرية تعيش على الزراعة، تمثل 55% من مجموع سكان مصر تستطيع أن تقول كلمتها دفاعا عن بقائها الآن.

ولو أن هناك معارضة مصرية حقيقية وفاعلة لاستثمرت هذا التصريح الذى يشبه لوحات فاروق حسنى فى عبثيته وتجريديته لمخاطبة وحشد أكبر كتلة تصويتية فى البلد ضد مشروع التوريث والتجريف والتجويع والتبوير، لكن كيف وقد تم تجريف وتجفيف المعارضة من زمان حتى تحولت إلى ما يشبه «الخيار الأورجانيك».. مجرد وهم.

وائل قنديل كاتب صحفي