تواجه لغط حقيقى، ربما يكون مقصودا، حتى تنصرف عن قضاياك الأساسية، أو تهرب القوى السياسية بمختلف توجهاتها من مسئولياته، أو لا تتورط فى التزامات محددة ذات علاقة بحياتك ومستقبلك وشئونك المعيشية.
من ذلك الاستقطابات التى حدثت على الهوية الدينية، وتلك التى قسمت حتى أصحاب الهوية الدينية الواحدة إلى متطرفين ومعتدلين، والاستقطاب الأكثر بروزا الذى قسم الكتل التصويتية المصرية بين إسلاميين وليبراليين.
بداية لابد أن تفهم أن مبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع، هكذا جاءت فى الدستور السابق، وفى الإعلان الدستورى الحاكم اليوم بوصفه دستورا مؤقتا، وبالتالى فكل حزب أو تكتل خاض الانتخابات يفعل ذلك وفق القواعد الدستورية بمعنى قبوله بمادة الشريعة، ويعنى ذلك أن كل الأحزاب والكتل التى تخوض الانتخابات لديها مرجعية إسلامية، وتتفق فى الأصول وربما تختلف فى فهم هذه المبادئ، وهو فهم متباين حتى داخل التيار الإسلامى الواسع نفسه بمكوناته المختلفة، أى أنك أمام مرشحين كلهم إسلاميون بحكم المرجعية الدستورية، بما فيهم أولئك الذين يهاجمون تيارات الإسلام الأيديولوجى السياسية، حتى لو تزيد البعض فى التركيز على الهوية الإسلامية سواء لاحتكارها، أو حتى للتميز بها عن الآخرين.
كذلك كل الكتل والأحزاب السياسية تخوض الانتخابات بالمعايير الديمقراطية الليبرالية، التى تعنى حرية تأسيس الأحزاب، واعتماد الانتخابات وصناديق الاقتراع آلية وحيدة للتنافس على حكم وتداول السلطة، وحق الأغلبية النيابية فى قيادة المجتمع بحكم التفويض الشعبى التى حصلت عليه من الصناديق النزيهة، وحق الأقلية فى حماية حقوقها وكل ما يتعلق بالديمقراطية إجمالا كممارسات وقيم ونمط فرز لبلوغ الحكم الرشيد، وهو مسار سياسى ليبرالى بامتياز، ومعنى قبول كل الكتل والأحزاب المتنافسة بهذا المسار وإعلانها احترامها له أن أيضا كلهم ليبراليون بحكم الممارسة الفعلية، بما فيهم أولئك الذين يهيلون التراب على الليبرالية فيما هم يمارسونها، سياسيا، وتعبر أطروحاتهم الاقتصادية كذلك عن انحياز للحرية الاقتصادية التى هى أيضا إحدى الملامح الليبرالية.
لديك إذن تنافس فى غير محله هدفه إحداث التمييز والاستقطاب فحسب، وصرفك عن النتيجة الأساسية وهى أن قضاياك الحقيقية غابت عن هذا التنافس، فأنت لا تعرف بوضوح ما هى سياسات كل حزب أو تكتل فى قضية التأمين الصحى، كيف ستدار هذه المنظومة وتمول، هناك حديث يملأ الآفاق حول جسد المرأة، لكن لا أحد يتحدث بذات الاستفاضة حول تعليمها وعلاجها وتوظيفها.
هى سياسة إذن مازالت فى قلب دوامة الشعارات ولم تخرج منها، والأدهى أنك بمراجعة السياسات الاقتصادية الواردة فى برامج الكتل الأربعة الرئيسية «الإخوان والنور والكتلة والوفد» ستكتشف أنك قدمت بلادك إلى نمط اقتصادى واحد فى مجمله لا تباينات كبيرة بين أطرافه، هو برلمان يمينى بامتياز فيما يتعلق بالسياسات، الاقتصادية والاجتماعية، ويمينى أيضا من حيث علو صوت التطرف القادم من كل اتجاه تحت هذه القبة.. وإذا كنت تعتقد أنه برلمان غير محتكر سياسيا لأن فيه إخوان ونور وكتلة ووفد، فهو برلمان محتكر على المستوى الاقتصادى لأن الأربعة نظريا يمثلون تيارا اقتصاديا واحدا، منحاز من البدء إلى رأس المال ومن يمثلونه..!