هامش للديمقراطية ــــ النقد الذاتى والمراجعة - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الإثنين 6 مايو 2024 1:31 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هامش للديمقراطية ــــ النقد الذاتى والمراجعة

نشر فى : الجمعة 30 أغسطس 2013 - 8:55 ص | آخر تحديث : الجمعة 30 أغسطس 2013 - 8:55 ص

نعود إلى البدايات: لأن التنظيم الديمقراطى للدولة وللمجتمع يستند إلى قيم الحرية وسيادة القانون وتداول السلطة عبر صندوق انتخاب نزيه ودورى يترجم تفضيلات المواطنات والمواطنين المتغيرة دوما، تحتاج الأطراف المشاركة فى الحياة السياسية إلى ممارسة النقد الذاتى والمراجعة بغية تصويب مواقفها وضبط أفعالها حال ابتعادها عن القيم الديمقراطية. يشكل مكون النقد الذاتى والمراجعة، إذن، ضمانة أساسية للإبقاء على حيوية التنظيم الديمقراطى ولاحتواء اختلالاته المتكررة الناتجة إما عن سيطرة القلة (نخب الحكم والمصالح الاقتصادية والمالية الكبرى) أو هيمنة أفكار استبدادية الجوهر (الفاشية باسم الدين أو باسم تصور أحادى للمصلحة الوطنية أو باسم المكون العسكرى الأمنى) أو توحش لمؤسسات الدولة.

وقد شهد القرن العشرون عالميا الكثير من تجارب نقد ذاتى ومراجعة قامت بها أحزاب وقوى سياسية تورطت فى مواقف وافعال تتناقض مع قيم الديمقراطية. فاعتذرت، على سبيل المثال، فى أعقاب الحرب العالمية الثانية بعض الأحزاب المسيحية الديمقراطية والأحزاب اليمينية فى غرب أوروبا عن تحالفها مع النازيين والفاشيين وتبريرها أو صمتها عن جرائمهم، وجددت التزامها بقيم الحرية وسيادة القانون. وفى الخمسينيات والستينيات وعلى خلفية استبداد الأحزاب الشيوعية الحاكمة فى الاتحاد السوفييتى السابق وشرق أوروبا، أعادت الأحزاب الشيوعية فى فرنسا وإيطاليا ودول أوروبية أخرى قراءة أدبياتها الثورية وقبلت المشاركة فى الآليات الديمقراطية للحياة السياسية (تحديدا الانتخابات) كقيمة ووسيلة للدفاع عن مصالح الطبقات العاملة والكادحين وللضغط من أجل المزج بين الحرية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية.

وبعد سقوط الاتحاد السوفييتى وانهيار الأحزاب الشيوعية فى شرق أوروبا وتهاوى قبضتها الأمنية على الدولة والمجتمع، انفتحت فى بولندا وجمهورية التشيك وجمهوريات البلطيق (التى انفصلت عن الاتحاد السوفييتى) بعض الأحزاب هذه على نقد ذاتى ومراجعة واسعة وقبلت بالقيم الديمقراطية ودفعت المؤسسات الأمنية وأجهزة الدولة التنفيذية إلى التعامل مع ماضيها القمعى فى إطار من المكاشفة والمحاسبة والعدالة الانتقالية. والبعض الآخر، كما فى رومانيا والمجر وبلغاريا وبكل تأكيد فى روسيا، ابتعد فى أعقاب انتفاضات شعبية عن ممارسة النقد الذاتى والمراجعة وباعد بين المؤسسات الأمنية وبين تطبيق العدالة الانتقالية، الأمر الذى فتح أبواب الدولة والمجتمع تدريجيا على إعادة إنتاج الاستبداد والفساد وفرغ الآليات الديمقراطية (الانتخابات تحديدا) من الجوهر.

وفى أمريكا اللاتينية التى حكمت الكثير من دولها لعقود طويلة ديكتاتوريات عسكرية تحالفت مع أحزاب وتيارات يمينية (كانت ترفع زيفا شعارات الليبرالية) ونخب اقتصادية ومالية فاسدة ودعمتها الولايات المتحدة الأمريكية فى سياق مواجهتها لقوى اليسار والشيوعيين، رتب التحول الديمقراطى منذ ثمانينيات القرن العشرين اعتذار بعض الأحزاب اليمينية (كما فى البرازيل والأرجنتين وشيلى) عن تحالفها مع الديكتاتورية وعن تجاهلها لانتهاكات حقوق الإنسان الواسعة. كذلك تخلت الأحزاب هذه عن إيديولوجياتها العنصرية (باتجاه شعوب القارة اللاتينية الأصليين) وقبلت بتطبيق منظومة متكاملة للمكاشفة وللمحاسبة وللعدالة الانتقالية.

وهناك الكثير من النماذج العالمية الأخرى، من جنوب أفريقيا إلى إندونيسيا، التى تدلل على محورية الممارسة الجادة من قبل الأطراف المشاركة فى الحياة السياسية للنقد الذاتى وللمراجعة. وتظهر أيضا أهميتها إما لإنجاح التحول الديمقراطى أو لاحتواء اختلالات التنظيم الديمقراطى والإبقاء على حيويته.

وبالنظر إلى مصر، والتى شهدت فى تسعينيات القرن العشرين تجربة مهمة للنقد الذاتى وللمراجعة قامت بعض جماعات العنف المبرر زيفا باسم الدين (مراجعات الجماعة الإسلامية)، تحتاج اليوم كافة أطراف الحياة السياسية من أحزاب وقوى ومؤسسات دولة إلى الانفتاح بجدية على ممارسة النقد الذاتى والمراجعة وقبول مبدأ المحاسبة المجتمعية (القاسية فى الكثير من الأحيان) بهدف إنقاذ مسار بناء دولة الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان. وفى هذا الشأن، أواصل الكتابة بالغد.

غدا هامش جديد للديمقراطية فى مصر

عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات