يستعد المجتمع لدخول تجربة انتخابية أقل ما توصف به أنها «خالية من الدسم الفكرى»، معركة شخصية، عائلية، بها تأثير المال والعلاقات والنفوذ، دون أن يكون بها برنامج انتخابى أو فكرة تناقش أو مساجلة حول تباين المواقع السياسية من القضايا المتنوعة. انتخابات آل بها الوضع إلى أن تكون مساحة من التنافس بين«نواب خدمات»، والقلة من الساسة الذين أرادوا أن يكونوا جزءا من هذه الخبرة سوف يكون لازما عليهم أن ينزعوا رداء السياسة.
لم نر برامج انتخابية متنافسة، ولا نعرف حقيقة الفارق بين هذه القائمة وتلك. اختلاف فى الأشخاص والوجوه، وليس اختلافا فى القضايا والمواقف والسياسات. لا أعرف ما الدافع الذى يجعل الناس تنتخب هذا ولا تنتخب ذاك. الكل على مبادئ 30 يونيو، المرشحون جميعا يقفون خلف السلطة، ولم تكن خلافاتهم الشهور الماضية إلا على توزيع مقاعد البرلمان، وتحقيق المصالح الخاصة، ويكاد يكون التنافس الفعلى بين الأحزاب القائمة هو على اجتذاب أعضاء الحزب الوطنى القديم الذين لهم تواجد محلى، وقدرة على تجميع الأصوات.
لا أعتقد أن تطوير البيئة السياسية فى مصر يكون برفض السياسة، والعودة إلى الصيغ القديمة المعتادة: نائب الخدمات، العزوة، المال. قد ينشأ برلمان بحلوه ومره، لكنه لن يكون فاعلا فى التحديث السياسى، وسوف يكون على غرار التجارب البرلمانية التى اعتدنا عليها على مدى عقود.
إننى أخشى أن ينتاب الناس حالة «زهد» انتخابى، فلا نراهم مكترثين بالانتخابات، ولا مقبلين على المشاركة فيها، ونعود مرة أخرى إلى النسب التصويتية المنخفضة التى تجاوزناها خلال السنوات الماضية. هذه مسئولية كبيرة أن يظل الناس جزءا من الحالة العامة، يشاركون فى تغيير واقعهم، ويرتبطون بالتيارات والأحزاب السياسية، حتى لو كانت ضعيفة، ولا يعودون مرة أخرى إلى أقبية الصمت، واللا مبالاة، وغياب المشاركة.
والواضح أن محاولات تعبئة الجمهور عن طريق طرق أبواب الاستقطاب الدينى المدنى لن تفلح هى الأخرى، على النحو الذى نراه الآن فى المساجلات والنقاشات الإعلامية الساخنة حول حزب النور، والسبب أنه لا يوجد تيار مدنى موحد، وإلا لتمكن من خوض الانتخابات بقائمة واحدة، كما أن حزب النور ــ أيا كان رأينا فيه ــ لا يزال فى مربع ثورة 30 يونيو، لم يخرج عنه، فضلا عن أنه يخاطب جمهورا له سمته وهويته ونمط تفكيره الذى يجعله يصوت لمرشح ذى توجهات سلفية دينيا واجتماعيا وسياسيا، ولا يراهن على الجمهور الذى يتعاطى الإعلام، أو يتبنى مبادئ الدولة المدنية.
هناك أزمة فى السياسة، وما الانتخابات إلا انعكاسا لأزمة السياسة. لن يتقدم المجتمع إلا بعملية سياسية تقوم على تعدد فى الأحزاب، وبرامج متنوعة، ومشاركة واسعة من الجمهور، وانفتاح فى المجال العام، وإتاحة الفرصة أمام ظهور أفكار متنوعة، بعيدا عن الاستقطاب أيا كان شكله أو مظهره.