الإعلام الحر.. وتقوى الله - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
الجمعة 31 يناير 2025 8:44 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

الإعلام الحر.. وتقوى الله

نشر فى : الجمعة 30 ديسمبر 2011 - 8:00 ص | آخر تحديث : الجمعة 30 ديسمبر 2011 - 8:00 ص

سؤال برىء: ماذا لو لم يتمكن مصور وكالة رويترز من التقاط الصورة الشهيرة لأحد الجنود وهو يسحل ويعرى فتاة ميدان التحرير وماذا لو لم تنشر الصحف المصرية هذه الصورة؟!.

 

أخشى أن الإجابة هى أن الأمر كان سيمر مرور الكرام ولن يشعر به إلا الذين شاهدوه، وسينسونه بعد فترة، ضمن المشاهد المؤسفة التى تتكرر هذه الأيام.

 

لفت نظرى أن اللواء عادل عمارة مساعد وزير الدفاع وعضو المجلس الأعلى للقوات المسلحة دعا وسائل الإعلام ــ فى مؤتمره الصحفى الشهير الاسبوع الماضى ــ إلى «أن تتقى الله فى مصر». ولم أفهم تحديدا ما الذى يأخذه اللواء عمارة بالضبط على وسائل الإعلام، حتى يدعوها إلى تقوى الله.

 

إذا كان يتحدث فى المطلق فالجميع يتفق معه، فالتقوى مطلوبة فى كل شىء من الإعلام إلى الإعلان ومن السلوك اليومى إلى حكم البلاد، وأما إذا كان يتحدث عن وقائع محدودة، فالمفروض أن يذكرها أو يذهب بها هو أو من تضرر منها إلى النيابة كى يأخذ حقه بالقانون الذى ينظم ضوابط وحدود النشر.

 

الخوف كل الخوف أن يكون اللواء عمارة يقصد المعنى العام والمطاط لكلمة التقوى بمعنى ألا تنشر وسائل الإعلام كل ما يعكر صفو المجلس الأعلى.

 

فى هذا الصدد فإن نشر صورة الفتاة المتعرية يخالف مفهوم التقوى كما يفهمه اللواء عمارة، لكنه يعتبر أرقى أنواع النشر كما تدرسه كليات ومعاهد وأكاديميات الإعلام فى العالم بأكمله، لأن هذه الصورة كشفت عن سلوك غريب وشاذ جعل مئات الآلاف من السيدات يخرجن ويتظاهرن وجعل العالم بأجمعه يتضامن مع المصريات.

 

نشر صورة عسكرى الأمن وهو يدوس بقدمه فوق رأس متظاهر هى وسيلة تحريض خطيرة من وجهة نظر أى سلطة فى أى عصر، لكنها قمة العمل المهنى فى أى مكان يؤمن بحرية النشر والتعبير.

 

أن تنشر خبرا أو تقريرا يفضح ظلما أو يهتك مستورا أو يكشف صفقة فى الظلام فهو أمر مزعج لأى سلطة فى كل العصور، لكن ذلك يفترض أنه من أبجديات العمل الصحفى.

 

ثم إن نشر أى صورة ساخرة أو كاريكاتير عن أى مسئول أو سلطة أكثر إزعاجا فى مرات كثيرة من أن تنشر عن هذا المسئول انه فاسد مثلا، وقد يعتبر هذا الكاريكاتير تحريضا على الازدراء، لكنه أحد أكثر الأسلحة الصحفية حدة ومضاء.

 

المؤكد أن حرية الإعلام تمثل هاجسا لأى مسئول حتى لو كان مستقيما، فما بالك إذا كان فاسدا.

 

المؤكد أيضا أن أعضاء المجلس العسكرى معذورون لأنهم لم يتعودوا على الجدل والمناقشة، هم تربوا على فكرة السمع والطاعة، وبالتالى فالمنطقى أن ينزعجوا من أى نقد، حتى لو كان بسيطا.

 

حرية الإعلام هى الضمانة الرئيسية كى يستمر هذا المجتمع نظيفا وسليما وصحيا، لأن أى تقليل لهذا الهامش، معناه الوحيد أن نبدأ فى التغطية، على أى خطأ أو فساد وبعدها نفاجأ بالانفجار الكبير.

 

لو أدرك المجتمع قيمة وأهمية الإعلام الحر لدافع عنه بكل ما يملك، لأنه العين التى يرى بها.

 

نعم هناك تجاوزات، وهناك أجندات إعلامية مشبوهة، وهناك مخربون لكن علاج كل ذلك لا يكون إلا بتطبيق القانون والحفاظ على حرية الرأى والتعبير.

 

لا بديل عن التعود على إزعاج الإعلام، لأن ذلك ألف باء الديمقراطية، وعلى المتضرر اللجوء إلى القضاء إذا حدث ذلك سنضمن وجود إعلام حر ونزيه، وفى الوقت نفسه نحارب الإعلام المشبوه.

عماد الدين حسين  كاتب صحفي