هل المعارضة المصرية حريصة حقا على التوصل إلى وفاق وطنى أم لا؟ هذا السؤال يطرح نفسه بعدما توالت البيانات والتصريحات التى أطلقها بعض رموز المعارضة فى الآونة الأخيرة، وهى التى رفضت الحوار أو وضعت شروطا تعجيزية له. وقد أعطانى ذلك انطباعا بأن أجواء ذكرى 25 يناير وخروج جموع الغاضبين إلى الميادين والشوارع دفعت البعض إلى ركوب الموجة والمزايدة على الجميع والاستقواء بالشارع ومحاولة إحداث انفلات فى البلد يمكن أن يكرر ما حدث إبان الثورة، ويؤدى فى نهاية المطاف إلى إسقاط النظام لصالح المنافسين المتربصين. ولذلك ارتأى هؤلاء أن التسخين والتصعيد يمكن أن يحققا هذه النتيجة. ولذلك فلا داعى لإجراء أى حوار، لأن التوافق من شأنه أن يطيل من أجل النظام الذى قرروا أنه على وشك السقوط أو أنه مؤهل لذلك.
لا أستطيع أن أتجاهل أن الدكتور مرسى يتحمل قسطا من المسئولية عن تعثر الحوار أو إساءة الظن به، هذا إذا صح ما قيل من إنه سبق له أن اتفق قبل انتخابه رئيسا مع عدد غير قليل من المثقفين الوطنيين على أمور لم يف بها، ولم يفسر لهم السبب فى ذلك. وذلك غير ما جرى فى الحوار الوطنى الذى دار أخيرا، ثم أعلن ممثل للإخوان بأن الجماعة غير ملزمة به، الأمر الذى حول الحوار إلى ثرثرة على مقهى لا طائل من ورائها.
هذه خلفية ينبغى أن تذكر، لأنها أسهمت فى إضعاف الحماس لفكرة المشاركة فى الحوار. لكننى أفرق بين إضعاف الحماس للفكرة وبين إغلاق الباب أمام الحوار ومقاطعته، كما أفرق بين مناخ الشد والجذب الذى كان سائدا فى مرحلة، وبين نزول الجماهير إلى الشارع وتحول الشد والجذب بين القوى السياسية إلى إصابة الحياة بالشلل فى القاهرة ومدن أخرى، وإلى تخريب وتدمير وترويع، وتحول التراشق بالحجج والاتهامات، إلى تراشق بقنابل المولوتوف والخرطوش، وهو ظرف انفلت فيه العيار على نحو يتعين التعامل معه بما يستحقه من مسئولية تفرض المسارعة إلى احتواء الحريق وليس إلى تأجيج ناره وتوسيع نطاقه.
إن الرئيس مرسى يواجه فى الوقت الراهن مشكلتين وليس مشكلة واحدة. الأولى مع قوى المعارضة التى تتحداه مستقوية فى ذلك بالجماهير المحتشدة فى الميادين والشوارع، وبالمنابر الإعلامية الصحفية والتليفزيونية التى اصطفت فى الجانب المخاصم له. المشكلة الثانية هى مع المجتمع الذى ارتفع سقف توقعاته عاليا بعد قيام الثورة لكنه لم يلمس انجازا يخفف من معاناته ولم يتلق وعدا بتحقيق حلمه فى المستقبل. وليس صحيحا أن الجماهير خرجت استجابة لدعوات قوى المعارضة ورموزها، وأنما الأصح أن الجماهير التى احتشدت فى ذكرى الثورة لكى تجدد مطالبتها بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية، ثم صعدت على أكتافها الأحزاب والجماعات السياسية لكى تطالب بإسقاط الحكمة وتعطيل الدستور وحل مجلس الشورى ومنع أخونة الدولة وقتنين وضع الإخوان. أو قل إن الجماهير ما إن خرجت إلى الميادين مطالبة بحقوقها ثم فوجئت بأحزاب المعارضة وقد نصبت منصتها وسط ميدان التحرير وراحت تبث خطابها الذى لم تكن الجماهير معنية به. وأزعم فى هذا الصدد أن الرئيس مرسى لو استجاب لمطالب أحزاب المعارضة لما أدى ذلك إلى انسحاب الجماهير من الميادين وعودة المتظاهرين إلى بيوتهم. وهو ما يعيدنا مرة أخرى إلى معادلة النخبة الافتراضية التى تحتل الفضاء والأضواء طوال الوقت، والجماهير الحقيقية الثابتة على الأرض ولا تسلط عليها الأضواء إلا فى المناسبات.
لقد سمعت أحدهم مرة يقول فى برنامج تليفزيونى إن مطالب مجموعته هى مطالب الشعب، وهو إدعاء لا دليل عليه، لأن من وصفتهم بأنهم يمثلون النخبة الافتراضية هم اختيار الآلة الإعلامية وليسوا اختيار الشعب. ولن يكتسبوا شرعية إلا إذا احتكموا إلى الآلة الديمقراطية التى تحدد لنا أوزانهم الحقيقية وماذا يمثلون فى نظر الشعب.
فى أجواء الهرج السائد، اختلطت الأوراق وأوهمتنا الآلة الإعلامية بأن مطالب النخبة الافتراضية هى ذاتها مطالب الشعب، وأن الاستجابة لدعوات إبطال الدستور وتقنين الجماعة وحل مجلس الشورى هى ما يحقق للثورة أهدافها، ذلك من قبيل التغليط السياسى الذى يوظف لصالح صراع الأنصبة والحظوظ والتنافس على الكراسى، ولا علاقة له بالثورة وأهدافها. وهو ما يفسر لنا لماذا يحرص البعض على رفض الحوار ووضع شروط تعجيزية للمشاركة فيه رغم الحاجة الملحة إليه اليوم قبل غد.