أمازال يراودك الشك في أن رئيسك يخضع لإملاءات مكتب الارشاد التابع لجماعته؟ أمازلت مقتنعا أنه رئيساً لكل المصريين؟ أمازلت مقتنعاً بأن رئيسك يحظى عندك بما يكفي من الثقة لينفذ وعداً قد وعد به أمام عموم الناس؟ أحداث تلو الأخرى تبرهن على مدى الفشل الذريع للرئيس وممن يساندونه ويؤيدوه من أهله وعشيرته ويدافعون عن حكومته التي فاض بنا الكيل في تحمل عواقب أخطائها الجمّة.
لابد من يقين يمحو ما بك من الشك في ما قد سبق من استفهام واضح حول ماهية السلطة التي تحكمنا، واليقين قد أتى بالفعل ممن كنت تشك فيهم شخصيا، وفي فاصل من الاستخفاف بك أيها المواطن المثير للشفقة والمستهدف بتلك السياسات الإعلامية القذرة، يظهر مرشد الإخوان في حديث مشترك مع الرئيس وهو يلقنه الكلام على الملأ، هذا ما شاهته بالأمس في إحدى فقرات البرنامج السياسي الساخر الذي يقدمه الإعلامي باسم يوسف، والذي يعتبر منبراً للتوعية السياسية في ظل تلك الحالة من التلوث الإعلامي، رغم أني أتحفظ على بعض السقطات في محتوى الإعداد خاصته. المرشد يلقن الرئيس على الملأ ويهمسه بأن يضيف كلمة القصاص إلى كلامه فقط للتهدئة واكتساب التأييد الشعبي لما رآه من إصرار على حقوق الشهداء والقصاص ممن أهدروا دمائهم - هذا ما قصد-، يبدو لنا جلياً استخدام سياسة الوعود الزائفة والكلام المرسل لامتصاص الغضب الشعبي.
ما كان يراودك من الشك أصبح يقيناً.. الجماعة وذويها هم من يحكمون مصر حقاً، والرئيس يزعم أنه رئيساً لكل المصريين بدستور جاء فوق رغبة وإرادة الشعب، صوت عليه الثلث ممن لهم حق التصويت، بالكاد يكونوا منقسمين حول ما يحويه من مهازل دستورية فاضحة، وقاطع الثلثين الباقيين ممن لهم حق التصويت دون أن يكترث بهم أحد، وكأن المصريين من منظور الرئيس هم الجماعة ومكتب إرشادها وحزبها السياسي، وبذلك تنفرد الجماعة بالديانة الإسلامية وتنثنى على الجنسية المصرية الخالصة، والباقون لا مكان لهم، وإن كان لهم مكان فلا صوت لهم ليعلو على صوت جماعة الإخوان المسلمين المصريين التي احتكرت كل شىء وتركت لنا اللاشىء.
الإثم الأكبر تتحمله تلك المعارضة الواهنة، هي من تركت فصيل سياسي وحيد يلتف على رغبة العامة بشتى الوسائل المشروعة وغير المشروعة، وهي تقف لا تحرك ساكنا، فقط لا تحرمنا من الجديد من مؤتمراتها الصحفية التي لا تسمن ولا تغني من جوع، وأغفلت أهم ما ينقص هذا الشعب من حقه في التوعية السياسية لعله يصحح أخطاء الماضي الأليم الذي جعل منه فريسة للجهل السياسي والديمقراطية المشبوهة، دائما كان يجبر نفسه على أن تختار ما لا تريد- يالها من سذاجة-!
لو كان هذا الشعب قد أخذ ما يكفيه من الوعي السياسي لما أصبح يقف حائرا في مستنقع السياسة مكتوف الأيدي واقفاً كالمغيب.. كما يحدث الآن.
الإعلام -وهو المنوط بتلك التوعية سابقة الذكر- هو الآن يستخدم على النقيض تماماً، تحكمه أيديولوجيات الأحزاب، وبالأخص حزب السلطة، حتى أصبح إعلاماً للسلطة كما كان في سابق عهده.. تسيطر عليه سياسات ديماجوجية لا تكترث إلا بالدفاع عن السلطة وتمرير سياساتها الفاضحة الفادحة، والفضائيات لا حصر لها كثيرة تلتف حول منافقة السلطة وقليلة تلتفت إلى مصلحة الوطن والمواطن.
لا أريد أن أبكي على اللبن المسكوب أو أبكي على أطلال من بقايا دولة على حافة الهاوية، لكن لا سبيل إلا باستكمال الثورة أو الشروع في ثورة جديدة على الأمية والإعلام الموجّه، حتى نستطيع أن نصنع أغلبية من الممكن أن يُعتمد عليها في اتخاذ قرارات سياسية مصيرية حتى لا نبكي كما نبكي الآن ثانيةً، وإن لم نقدر على ذلك فستظل رقابنا تحت رحمة السلطة إلى يوم يبعثون - يرحمنا ويرحمكم الله -.