دينا عسل تكتب: فقاعة الاستقرار - منبر الشروق - بوابة الشروق
الأربعاء 8 مايو 2024 7:12 ص القاهرة القاهرة 24°

دينا عسل تكتب: فقاعة الاستقرار

نشر فى : الإثنين 10 يونيو 2013 - 10:50 م | آخر تحديث : الإثنين 10 يونيو 2013 - 10:50 م
دينا عسل
دينا عسل

مما أثبتته الأيام مؤخرا أن الاستقرار مثل الفقاعة التي سرعان ما تختفي، وبدا ذلك واضحا منذ أواخر عام 2010؛ حيث شهدت دول كثيرة في الشرق الأوسط تحديات سياسية كبيرة نتيجة لقيام الثورات العربية التي كانت بمثابة صحوة انتفض الشعب خلالها ضد الظلم والطغيان والحاكم الدكتاتور.

 

تحولت حالة الإحباط المتزامنة مع الفساد السياسي، الذي وصل أوجه، إلى مظاهرات حاشدة، لا يستطيع النظام احتواءها بسبب العجرفة المتناهية والاستهانة بمطالب الشعب الثائر، مما أزاد من حدة الغضب، خاصة وأن هذه الأنظمة التي سقطت خلال الأعوام القليلة الماضية، كان لها نفس النهج، ألا وهو اللجوء إلى مستويات غير معهودة من استخدام القوى والعنف ضد المواطنين، والحديث عن المخططات الخارجية والأيادي الخفية والخونة والعملاء.. إلى آخره من سيل الاتهامات التي طالما ولحقت هؤلاء الثوار.

 

ولم تسلم دول كان من المعتقد أنها تنعم بالاستقرار ممن خرجت الشعوب ضدها، فما يبدو أن السخط الشعبي لا يركز فقط على الاقتصاد الهش وفكرة انتشار الفساد، وما يؤكد ذلك أن احتمالية خروج مظاهرات في تركيا كان يبدو ضئيلا، إلا أن الشعب التركى الذي كان يرى أردوغان زعيماً قادراً على حكم البلاد بشكل ناجح، أصبح يرى أنه لا يستحق تلك الشعبية، وهو ما أذهل الجميع ممن كان يرى أن تركيا بمنأى عن تلك الاضطرابات السياسية، حيث كان النموذج التركي نموذجا يحتذى به، خاصة في البلدان العربية لتوجهه الإسلامي، المتمثل في حزب العدالة والتنمية، الذي ينتمي له رئيس الوزراء نفسه رجب طيب أردوغان.

 

على الرغم من أن الاضطرابات بدأت بسبب خطط الحكومة لهدم حديقة مجاورة في ميدان التقسيم، إلا أنها سرعان ما تحولت إلى احتجاجات أوسع نطاقًا ضد الحكومة التركية وضد الحزب، الذي سعى مؤخرا ربما لفرض التوجه الإسلامي بشكل أكبر، وذلك ربما بعد وصول تيارات الإسلام السياسي للحكم في المنطقة العربية.

 

هناك من يرى أنه لابد من وضع خطوط لحدود التوجه الإسلامي، برغم أن أردوغان دائما ما كان يتحدث عن أن النموذج التركي هو قائم على قاعدة علمانية، وأنه لابد من فصل الدين عن السياسة، لذا فربما تبدو هذه الاحتجاجات بمثابة تحذير من عودة الأجندة الإصلاحية والضغط على المجتمع، وتحذير أيضاً بشأن عدم التصويت له مرة أخرى برغم نجاح الحزب تنمويا.

 

إن المظاهرات وأعمال العنف التي اندلعت في أنحاء تركيا خلال الفترة الماضية هي بمثابة «كارت إنذار»، خاصة وأن هناك مؤشرات تحذيرية تتمثل في تكرار سيناريو «ميدان التحرير» في تركيا، وكأن التاريخ يعيد نفسه، وتتكرر مشاهد مواجهة الدولة للمواطنين، واستخدام المقاومة العنيفة كما استخدمت الشرطة قنابل الغاز وخراطيم المياه لتفريقهم.

 

وكأن الزمان يدور لنرى نسخة مدبلجة من الثورة المصرية في تركيا، حتى أن رد فعل رئيس الوزراء أردوغان جاء مثيرا لدهشة الجميع، خاصة وأنه اتهم بعض المتظاهرين بأنهم إرهابيون، هذا إلى جانب اللجوء إلى العنف الشرطي والأمني، وهو ما فعلته الأنظمة الدكتاتورية السابقة، وكان يدينه حينها، مما قد يؤثر بالسلب على شعبيته.

 

إن إزالة منتزه في اسطنبول تحول إلى مواجهات عنيفة كان كافيا لزعزعة الاستقرار في تركيا، وعلى نحوها اهتزت شعبية أردوغان، هذا البطل الكارزمي، الذي كانت تفرد له بعض الشعوب صفحات مشرقة في تراثه البطولي، وكان موضع احترام وتبجيل.

 

ربما تكون رغبة أردوغان في عمل دستور قائم على نظام رئاسي يتيح ترشحه ربما لفترتين آخرتين هو أيضا أحد الأسباب التي أثارت الغضب حوله، ولا يبقى سوى أنه أمام قوة غاضبة لديها رغبة في التغيير تحلم على غرار الربيع العربي بالربيع التركي، إن جاز التعبير.

 

مما لا شك فيه أن العولمة ساعدت على انتشار هذا المد الثوري بفصل أدوات الاتصال الجديدة، وسرعة وسهولة انتشار المعلومة، مما جعل من الثورات العربية رغم كل ما لحق بها قوة دافعة وملهمة لإعادة النظر في العديد من الأمور، فكما أن هناك مواجهة عنيفة بالأسلحة، كان في المقابل بفضل العولمة أسلحة سلمية وذكية، تتمثل في شكل مواقع التواصل الاجتماعي، التي ساعدت بشكل كبير على نقل الحقائق، وتكثيف مفعولها عبر الحدود والقيود، وبدت الأنظمة في نهاية المطاف أنظمة هشة، وأن الاستقرار المزعوم يشبه الفقاعة التي سرعان ما تتلاشى.

شارك بتعليقك