إذا وضعنا نصب أعيننا نظام مبارك وإلى جواره نظام مرسي على سبيل المقارنة، سنجد أن الجرائم السياسية والجنائية متشابهة، المبدأ واحد والعقيدة واحدة، الاختلاف فقط في كم الجرائم، وهذا متناسب مع فترة حكم كل منهما، فالحقبة ذات الثلاثة عقود من الزمن- من الطبيعى أن تكون جرائمها أكثر من الأخرى التي لم تتجاوز العام بعد، ولكن تنوع الجريمة المتوفر في كلا النظامين يجعل كل منهما يستحق السقوط لا محالة.
من حيث الفساد المالي، يأخذ نظام مبارك النصيب الأكبر، ومن حيث الفساد الإداري يحتل نظام مرسي المركز الأول، سواء بمؤسسة الرئاسة والحكومة التي لا تفقه شىء عن إدارة الأزمات، أو حتى تنفيذ برنامج وهمي لا وجود له من الأساس، فقط استخدم كدعاية انتخابية على بوسترات مرسي في الانتخابات الرئاسية، بالإضافة إلى برنامج المائة يوم الذي تنصلت منه الحكومة في أول بيان لها، والتي شكلها الرئيس صاحب المشروع من الأساس، مما يوضح أن الرئيس عند اختياره الحكومة لم يكن هناك أي تنسيق لتنفيذ برنامج المائة يوم، ولكن تم التنسيق على أهداف أخرى بعيدة عن الوطن والمواطن، وأوضحت الحكومة في أول بيان لها أنها ستقوم بإصلاح ما يمكن في ظل الظروف المتاحة لها دون الارتباط بخطط زمنية معينة.
ويأتي على رأس قائمة الفساد الإداري لنظام مرسي.. مشكلة الأمن التي أثارت مشكلات أخرى عديدة بالتبعية، فعلى سبيل المثال ليس الحصر، نجد أن الفراغ الأمني هو من أدى إلى هروب الاستثمار بكافة أشكاله، وانهيار النشاط السياحي، وإعاقة عمليات النقل التجارية، مما انعكس على الاقتصاد القومي بالسلب، وبنتائج لا تحمد عقباها، وتسير بالدولة المصرية نحو الإفلاس على المدى القريب.
نأتي إلى بعد آخر، ألا وهو الفساد السياسي. نلاحظ أن في نظام مبارك كانت أزمته السياسية تتلخص في السعي إلى التوريث واحتكار الحكم لحزب واحد، والولاء للإدارة الامريكية، والتطبيع مع إسرائيل. وعلى الجانب الآخر -نظام مرسي- نرى أن توريث الحكم يتم بصورة أشمل، وبدستور فاسد يضع قواعد لسيطرة الإخوان على كيانات الدولة وإقامة دولة إخوانية صرف.
ونلاحظ أيضاً العلاقة الوطيدة مع الإدارة الأمريكية، من زيارة جيمى كارتر، الرئيس السابق للولايات المتحدة، والذي كان طرفا في توقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل (كامب ديفد)، لمقر جماعة الإخوان إلى زيارة جون كيري التي تظهر الدعم السياسي للإخوان والرئيس من قبل الإدارة الامريكية، حتى تطمئن على مصالح إسرائيل برعاية الرئيس مرسي، ناهيك عن تبادل الاتصالات الهاتفية التي تبرز التدخل السافر في الشأن السياسي المصري.
بالإضافة إلى خطابات تحمل الثناء لرئيس وزراء إسرائيل، بعد أن كانوا قبل الانتخابات أعداء لمصر والإسلام في أحاديث الإخوان الصحفية، ومازال الغاز المصري يصدر لإسرائيل حتى يومنا هذا. أليس كل ما سبق يستدعي مزيداً من الغضب الشعبي ضد هذا النظام المتواطىء؟
وإلى مفارقة هي الأخطر بين النظامين من حيث الجرائم الجنائية، والتي تتمثل في التعذيب وقتل المتظاهرين، نلاحظ التشابه الواضح، غير أن التعذيب في نظام مرسي يتم في بعض الحالات علناً، كما شاهدنا سحل مواطن أمام الاتحادية، ودهس آخر تحت مدرعة في المنصورة، ومنها جرائم فضحتها كاميرات الصحفيين والمدونين، سواء القتل برصاص حي، أو التعذيب حتى الموت كما حدث مع الجندي وكريستي، والطفل عمر بائع البطاطا، الذي يعتبر ضحية لكلا النظامين أحدهما دسّه في غيابات الفقر مما دفعه إلى ترك المدرسة وهو في الصف الثاني الابتدائي لضيق أحوال أسرته، وذهب ليبيع البطاطا فجاء نظاما آخر ليقتله، وكأن الأرواح لا تساوي شىء وسط فجور الحكام.
أيها الرئيس، أراك تسعى إلى مزيد من إقصاء معارضيك، ولا تفعل إلا ما يرضيك ويرضي جماعتك. حكومة اللا مبالاة، ورئيس أذن من طين والأخرى من العجين، والشارع السياسي يعاني من الانقسام والاستقطاب السياسي المشبوه، والدولة تعاني إضراب هنا وعصيان هناك، والغضب يتزايد يوما تلو الآخر، والجهاز الأمني في عهد مبارك ليس هو الآن كي يحمي نظامك، والشعب الذي أسقط مبارك هو نفسه القادر على إسقاط نظامك ليعود إلى نقطة الأصل بعد التنحي، ليبدأ تصحيح المسار ويبدأ بالدستور أولاً وليس بدكتاتور جديد. سترحل قريباً أيها الرئيس- فليعيننا الله- .