محمد الفاروق يكتب: حراس وطني وعيونه الساهرة - منبر الشروق - بوابة الشروق
الجمعة 13 سبتمبر 2024 5:37 ص القاهرة القاهرة 24°

محمد الفاروق يكتب: حراس وطني وعيونه الساهرة

نشر فى : الأحد 12 أغسطس 2012 - 6:15 ص | آخر تحديث : الأحد 12 أغسطس 2012 - 6:15 ص

"جهز يـا دفعة الفطار وسخنه المغرب قرب يأذن دورك النهارده", "ماشي يـا بِلد بس روح انت انده عليَ حامد, وعماد, وباقي الرجالة علشان يفطروا", ويهم محمد في تجهيز طعام الإفطار وبجواره دفعته أحمد يمسك في يديه كتاب الله ويرتل ما تيسر من آيات الذكر الحكيم, ليعطر فمه مبيت الجنود بكل حرف وآية من القرآن الكريم, في حين يذهب علي لإحضار باقي زملائه, هكذا كان لسان حال شهداءنا, يستعدون لتناول الإفطار في يوم جديد من أيام شهر رمضان, شهر القرآن والشهداء, ويجتمع الأبطال يجلسون الفخذ بجوار الفخذ وأمامهم حبات قليلة من التمر وأكواب الماء الساخنة من لهيب شمس أصبغتهم بلون طمي حقولها, وآذان صغير لحبات عدسها وفومها وبصلها, يستمعون لصوت المجند أحمد، الشجي وهو يقرأ القرآن ويتلو قوله تعالى: "وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِين".


الجميع في انتظار الأذان, وها هو المؤذن يؤذن ( الله أكبر – الله أكبر) الجميع يهمهم ويدعوا في سره (اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت...) وأخذ كل منهم يستكمل دعائه بما يتمنى فدعاء الصائم لا يرد, فيدعوا حامد بأن يوفقه الله في زواجه القادم في عيد الفطر وأن يبارك له في زوجته, ويدعوا عليِ لوالديه وأن يقدره الله ويُعينه ويجعلهم يذهبون للحج, ويدعوا أحمد بالشهادة في سبيل الله, ثم يقيم أحمد الصلاة ويصلون جماعة الكتف ملاصق للكتف.


ويبدأ حراس الوطن وعيونه الساهرة في تناول حبات التمر, نعم هي مليئة بالرمال ولكنها كافية لجرح صيامهم وتذكيرهم بما كانوا يفعلوه وسط أسرهم في مثل هذه الأيام, الماء ساخن ولكنه ينزل في جوفهم برداً وسلام, الطعام قليل وغير جيد ولكن يزداد قيمة ومذاقاً مع تلك "اللمه" التي سوف تنطبع في عقولهم مدي الحياة يتحاكون بها مع ذويهم وأبناءهم بكل فخر.

 

وإذ فجأة يسمعون صدى طلقات رصاص, فيترك كلاً منهم ما في يديه, ويخرجون مهرولين مفزوعين من دوى الطلقات الكثيف, الجميع يخرج جنود وضباط, يتخبطون بعشوائية وينادى كلاً منهم على الآخر هات السلاح, وبتلقائية ينظرون إلى الجانب الصهيوني, فهذا هو العدو الفطري الذي يأتي من جانبه الخطر دائماً.


لم يظن أو يأتي في مخيلة أحدهم أن تأتيهم النيران من خلفهم أو من أي مصدر أخر ملعون سوى المقابل لهم, ذو العين الزرقاء والشعر الأصفر والقلب الأسود.. ولكن يتوقفون فجأة عندما لا يجدون أي نيران تأتي من أمامهم.. وينظر أحمد بجواره فلا يجد حامد.. فينظر للخلف في سرعة ليجده طريح الرمال، وتجحظ عيناه ويفتح فمه من هول المفاجأة.. ليجد أمامه هالات سوداء ممسكة بالسلاح الذي يخرج منه شرار الآثم والفجور، وأصوات تنطق بلسان عربي جهور يخرج من جوف جحافل الجحيم لتردد بقسوة (اقتلهم.. اقتلهم) فيصرخ أحمد (لا لا) ويجري أحمد مسرعاً لدفعته وصديقة حامد, الملقي على الأرض, فينهمر رصاص الغدر والخيانة ويتلقى أحمد في قلبه رصاصهم وكلماتهم العربية التي قتلته قبل أن يخترق الرصاص صدره.

ويتساقط حراس الوطن الواحد تلو الأخر وهم يتدافعون لحماية كل منهما الآخر.. أحمد.. حامد.. علي.. سيد.. إبراهيم.. مصري.


وكما تجاورت أفخاذهم وأكتافهم وقت الدعاء والصلاة تلاحمت أيضا أجسادهم وقت الشهادة, امتزجت دمائهم الطاهرة الذكية لتروي بقعة مازالت عطرة بدماء أسلافهم وهم يجاهدون في سبيل الله, أما هذه المرة فامتزجت الدماء وزُهقت الأرواح تحت أقدام مَن كنا نظن أنهم يعرفون الله.

تلاشت الرتب واختفت الأسماء والتحمت الأشلاء لتتجسد في صورة وطن تبكي سمائهُ زخات دمٍ محموم.. وتأن نجومه من وجع قلبها المهموم.. ويخفت وميض قمرها المحزون.

 

يا حراس وطني أعددتم مائدتكم الفقيرة، وارتضيتم الماء الساخن في جوفكم بعد صيام, وتذوقتم حبات الرمال بتمرها, وشكرتم ربكم لقليلها.. فآبى غلاظ القلب فاقدي العقل والإيمان أن يروى ظمئكم, أو أن تسدوا جوعكم.. فشاء المنان الرحمن استشهادكم على الرمال منعمين بمغفرة رمضـان، واختاركم الكريم من الخالـدين في جنات النعيم لتدخلوا من الريان، وترتاح أجسادكم بسكني عليين وتنام، وتروى عروقكم من كوثرها لتشربون ولا تظمئون، وبطوبى تستظلون، من تينها وعنبها رمانها وطلحها وبلحها تأكلون.. إنها موائد الرحمن التي أعدت لكم فكلوا واشربوا منها في أمان.. يا أصحاب العيون التي تبات تحرس ولا تنام.. إنها عيونكم التي لن تمسها النار.. وإن ربكم لمنتقم من كل غليظ قلب جبار.. إني أحبكم يا حراس وطني يا إخواني.

شارك بتعليقك