شرين عرفه تكتب: أنت أخ أم رفيق؟ - منبر الشروق - بوابة الشروق
السبت 21 سبتمبر 2024 4:04 ص القاهرة القاهرة 24°

شرين عرفه تكتب: أنت أخ أم رفيق؟

نشر فى : الإثنين 14 يناير 2013 - 10:55 م | آخر تحديث : الإثنين 14 يناير 2013 - 10:55 م

يحضرني مشهد من فيلم (ليلة البيبي دول) بطولة الفنان السوري (جمال سليمان)، وبعيدا عن محتوى الفيلم والذي لا يعنيني في شئ, أتذكر فقط المشهد الذي لا يتجاوز الدقيقتين إلا أنني أراه يلخص الشأن المصري الحالي بأكمله, حيث يحكي الفنان (جمال سليمان) قصة دخوله السجن الحربي حيث يقابل مجموعة من السجناء يبدو أنهم من فريق الشيوعيين والتيار اليساري يسألونه (هل أنت أخ أم رفيق?) ولأنه لا يفهم ما يقصدونه ويريد أن يتودد إليهم فرد قائلا بعد قليل من التفكير: بل أخ طبعا.. فبدون أن يتفوهوا معه بكلمة انهالوا عليه باللكمات والضرب المبرح, ثم يقابل بعدها مجموعة يبدو من ملابسهم ولحاهم أنهم من التيار الإسلامي.. فيسألونه مجددا: (أخ أم رفيق؟) ولأنه خارج توا من معركة حامية لم يقم فيها بشئ سوى تلقي الضربات.. فهنا أجاب وبدون تفكير (بل رفيق طبعا, فكلنا هنا رفاق) وجاء الرد عليه كما في المرة السابقة.. ضرب ضرب ضرب (وبدون شتيمة), ثم التقى بعدها فريق ثالث يبدو من ملامحهم وكأنهم من السجناء الجنائيين معتادي الإجرام, فسألوه مجددا نفس ذات السؤال (أخ أم رفيق؟).. وهنا وقف وهو يبدو عليه التعب والتأثر من فقرات الضرب المبرح التي قضاها للتو, وبعد لحظة تفكير منطقي أجابهم بالطبع (أنا لست أخ ولا رفيق), وهنا أجابه هذا السجين وعلامات الغضب والإجرام تكسو وجهه: (إذن مباحث) وهنا لم تختلف (العلقة ) في الثالثة أي اختلاف عن الأولى والثانية.

 

وكأنني أشاهد الوضع المصري الآن بحذافيره.. تجلس مع مصري فتضطركما الأحداث المتلاحقة والساخنة على الساحة أن تتطرقا للحديث عنها, فيباغتك بالسؤال الاعتيادي والبديهي الذي اعتاد المصريون طرحه مباشرة بعد سؤال: (ما اسمك?) وهو قولهم (انت مع الإخوان ومرسي أم ضدهم?)، وقد يسألك آخر نفس السؤال ولكن بصيغة أخرى (انت انتخبت مرسي أم شفيق?) فإذا كان ردك على السؤال الأول هو أنني مؤيد للرئيس مرسي ولجماعة الإخوان المسلمين، وللأسف كان حظك العثر أن محدثك هو من التيار المخالف للإخوان, والذي اختلفوا حقيقة على تسميته فمرة (التيار المدني) ومرة (التيار الثالث) ومرة (التيار الشعبي) وأخيرا (جبهة الإنقاذ) كلما ارتبط الاسم في عقول الناس بفشل حدث.. لا يتم تغيير المنهج المتسبب في الفشل بل يتم تغيير الاسم.. أسماء عديدة لفريق من التيارات المختلفة والمتباينة بل والمتناحرة فيما بينها والتي لا يجمعها فكر أو منهج أو رؤية، بل القاسم المشترك الوحيد فيما بينهم هو كراهيتهم للرئيس مرسي وجماعة الإخوان المسلمين.. لم يعلنوا للشعب حتى الآن أي فكر أو منهج يتبعونه, لم يذكروا لنا خطة لحكم مصر بالطريقة الصحيحة التي يرونها بديلا عن طريقة الإخوان التي يخطئونها, لا يمكنهم تحديد رؤاهم أو مواقفهم ابتداء, بل لابد أن ينتظروا ما يتخذه الرئيس من مواقف.. يمكن أن تصفهم بعبارة واحدة: (هم عكس ما يقوله الرئيس): فإذا رأيت الرئيس في الجانب الأيمن فستجدهم بالطبع يتجهون يسارا, وإذا اتخذ الرئيس الجانب الأيسر.. فستجدهم تلقائيا يتجهون يمينا. هم ينتقدون الفعل وعكسه إذا قام به الرئيس ثم تراجع عنه, ستجدهم يشيدون بأي إنسان يحارب الرئيس وجماعته ويدافعون عن كل متطاول عليهم, وسيغضون الطرف عن أي فعل إيجابي أو إنجاز قام به الرئيس أو قامت به حكومته, ولن يتطرقوا للحديث عن أي قضية لا تصب في كفة الطعن على الرئيس أو التشويه لصورته، فإذا كان محدثك من هذا الجانب, فبالطبع لن تجد سوى الإهانات والتجريح، ولن تجد سوى بعض الأوصاف الحقيرة من أمثال (أنتم جميعا كالخراف أو القطيع.. ولا عقل لكم وتساقون كما تساق الأنعام) ولن يستمع أساسا لحجتك حتى لو كنت تمتلكها ومعك الحق.

 

وعلى الجانب الآخر إذا كنت ضد الرئيس مرسي أو جماعته أو ضد قراراته أو أفعاله وكان محدثك من الجانب الذي لا يرى سوى أن الحق دوما مع الجماعة وقراراتها, ويرى الصواب في كل أفعال الرئيس.. فهم بالنسبة له الحق المطلق, الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه, فحتما هو لن يستمع لما ستقوله وسينهال عليك باتهامات لا أول لها ولا آخر.. فأنت بالتأكيد علماني أو يساري، وفي الحالتين أنت كاره للدين وعدو للإسلام أو جاهل بالشريعة وتكره تطبيق التجربة الإسلامية, وقد تكون عميل أو فاسق دعتك معاصيك لذلك.

 

أما إذا كنت مثلي.. لست من الجانب الأول كما أنك لست مع الجانب الثاني, وكان لك رأي مختلف فيما يحدث, فأنت تحترم الرئيس وتحترم جماعة الإخوان المسلمين ومع التجربة الإسلامية وتؤيدها بشدة ولكن لك بعض الانتقادات على التطبيق الحالي لها أو تنتقد بعض قرارات الجماعة, تؤيد الرئيس ومع شرعيته ولكن تراه بشر يصيب ويخطئ فقد تمدحه اليوم حينما يصيب ثم تنتقده غدا إذا أخطأ, وهنا للأسف أنت حقا إنسان بائس.. لأنك ستجد نفسك تتعرض لكلا الاتهامات الظالمة ولكل أنواع السب والطعن من كلا الطرفين السابقين.

 

إن المتابع لما يكتب وينشر في الصحف والمواقع الالكترونية والتعليقات عليها من القراء سيرى ذلك حتما بنفسه, سيجد كل الكتاب من كل التيارات تتعرض للسب والشتم من أحد الجانبين المتصارعين, ومن يحاول أن يقف في المنتصف سيجد نفسه يشتم ويتهم من كلا الجانبين, لم يعد أحد منا يتقبل الاختلاف في الرأي, لم يعد أحد منا يتقبل الآخر.. نسير بالقاعدة الأمريكية في السياسة (من ليس معي فهو ضدي), يتصف الجميع بالغلو والتطرف.

 

منذ أن نجح النقيضان في انتخابات الإعادة (دكتور محمد مرسي) و(الفريق أحمد شفيق)، فالأول ومع احترامي الشديد له وتقديري البالغ لشخصه وتأييدي له كرئيس شرعي منتخب للبلاد يعمل بجد وإخلاص من أجل هذا البلد, إلا أن جزء من الدعاية له كانت بالترويج لكونه هو المرشح الإسلامي الوحيد وأن ترشيحه واجب ديني وخلقي, وكأنه مرشح لمنصب شيخ الأزهر وليس لمنصب سياسي وهو رئاسة مصر, ثم نجاح الثاني.. وهو النقيض الآخر, والذي لا يجيد حتى التحدث بشكل مفهوم، بل ويصعب عليه أن يركب جملة عربية صحيحة ذات معنى, تسمعه وهو يتكلم فتظنه يعاني من مس شيطاني, ومع ذلك فقد نجح.. فقط لأنه وعد من يكرهون الإخوان بأنه سيزج بهم في السجون, ووعد الأميين والبسطاء بالاستقرار الذي يحلمون به بعد عناء عام ونصف من الاضطرابات والقلاقل, فدخل النقيضان في جولة الإعادة ودخلت مصر من حينها دوامة الخلافات المريرة وانقسم الشعب بأكمله.. لأخ يسب رفيق, ورفيق يسب أخ, وثالث يسبه الجميع.

شارك بتعليقك