مما لا شك فيه أن الشعب المصري شعب متدين بطبعه، هذه الصفة جعلت من الدولة المصرية أرضاً خصبة للتجارة بالدين من أجل مصالح سياسية لتيار يقال عنه أنه إسلامى كان من المفترض ألا يقحم نفسة في أخاديد السياسة ، المشكلة لا تكمن في فصل الدين عن الدولة أو السياسة العامة، الإشكالية هنا تكمن في قذارة الدائرة السياسية في الوضع الراهن التي لها اثرها السلبي على الدين.
التجارة بالدين لها تاريخها الطويل والحديث من هذا التاريخ من نصيب جماعة الإخوان المسلمين التي اتخذت "الإسلام هو الحل" شعاراً لها، نحن كمسلمون وموحدون على يقين أن الإسلام هو الحل في كل مكان وفي أي زمان، ولكن كيف يفهم هؤلاء الدين الإسلامي ومبادئه!؟ يتحدثون عن برامج انتخابية ومشاريع للنهضة هم قامو بإعدادها، فإذا فشل هذا البرنامج الانتخابي أو مشروع النهضة الإسلامى من سيتحمل هذا الفشل الدين أم الشخص القائم بالبرنامج أو المشروع؟ من هنا يظهر لنا جلياً أن الدين من الممكن أن نستمد من تعاليمه ما ينفع العصر الذي نعيش فيه، وربما يخطىء الإنسان في الفهم السليم عندما يستمد من الدين ما يفيده في إدارة شئون الدولة أو المعاملات، مثلا عندها نقول أن تجربة فلان كانت خاطئة، أي أنه قد أخطأ فى فهم مبدأ أو تشريع ديني معين بعيدين كل البعد عن اتهام الدين بالتقصير في حل مشكلة ما، كل إنسان متدين له الحق في أن ينهل من دينه ما يستفيد به ويفيد الآخرين، أما محور المقال وهي الشريعة الإسلامية تحتاج في تطبيقها لمزيد من التحليل والتفصيل.
الشريعة هي الأحكام التي فرضها الله على العباد على لسان الرسول، والشريعة الإسلامية مستمدة من القرآن والسنة النبوية كمصدرين أساسيين للشريعة متفق عليهما، وتهدف الشريعة إلى تقويم السلوك الإنساني وحكمه، وتتسم الشريعة الإسلامية بالعدالة والوسطية، وقد ألزمنا الله ورسوله بألا نخالفها كما قال في كتابه ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ [المائدة: 48].
الشريعة الإسلامية تحمل في صلبها العدل، وصالحة في كل زمان ومكان وفي كل مراحل حياة الإنسان منذ مهده طفلا إلى ما قبل لحده شيخا وتكرمه عند موته، ونتيجة الحكم الشرعي تظهر على وجوه الوجوب أو الإلزام والتحريم والإجازة لمعاملات إنسانية عملية أو عقائدية أو أخلاقية، وتطبيق الشريعة حفظ للمعنى السامي لأصول الدين وتنأى بالنفس البشرية عما يضرها وتحفظ النسل بإطار من التنظيم الرباني، فلولا شرائع الله في الزواج والطلاق والنسب لعانى النسل البشري من مشكلات عديدة، فالشريعة في مجملها محور اتفاق.
أما محور الخلاف يكمن في أسئلة تفرض نفسها من المخول له تطبيق الشريعة؟ وعلى من؟ ومتى يجب تطبيق حكم من أحكام الشريعة الإسلامية؟ هذا الجدل يجعلنا نتطرق إلى تاريخ التشريع الإسلامي الذي اعتمد على الأحكام المنصوص عليها في القرآن والسنة النبوية كمصدرين أساسيين لأحكام الشريعة الإسلامية، ثم يأتي الصحابة بعد وفاة رسول الله ليتفقهوا في أمور دينهم بعدما نهلوا منه الكثير عن الدين الإسلامي ليكونوا علماء بالدين ويكونوا جمهورا للفقهاء يستطيع بما أوتى من علم أن يُجمع على حكم شرعي معين، أو أن يجتهد بعقله على أساس ديني في حكم من أحكام الشريعة، والإشكالية في عصرنا تكمن في من يطبق الشريعة، والذي تتوافر فيه شروط الاجتهاد التي تتمثل في أن يكون عالما بالقرآن الكريم حفظاً وتدبراً، وملماً بما ورد في السنة النبوية من أحاديث رويت عن نبينا محمد وأثار صحابته، وأن يكون ملماً بقواعد اللغة وأساليبها وقواعد صرفها.. إلى آخر تلك الشروط التي تحتم وجود كيان مؤسسي مختص بالإقرار بأحكام الشريعة الإسلامية والإشراف على تنفيذها، هذا يتطلب أيضا استقلال مؤسسة الأزهر الشريف لتصبح المؤسسة سابقة الذكر والخاصة بتطبيق الشريعة جزء من مؤسسة الأزهر الشريف بعيدة كل البعد عن السلطة الحاكمة والسياسة والسياسيين.
في جانب آخر من السؤال.. على من تطبق الشريعة؟ البعض يضع نصب عينه تعدد المِلل من غير المسلمين، وكيف سيتم معاملتهم في ظل تطبيق أحكام الشريعة؛ القرآن الذي هو مصدر الشريعة فصل في ذلك أيضاً، فالأدب القرآني يقضي أنه: (ولا تجدلوا أهل الكتاب إلا بالتى هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا ءامنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهانا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون) ( العنكبوت :46).
وفي جانب آخر نرى أن الإسلام أباح زواج المسلم من غير المسلمة وليس العكس لأن القوامة في الزواج للرجل، وهو راع ومسؤل عن رعاية زوجتة التي على غير دينه، وألا يكرهها في الدين ولا يمنعها مما هو مباح في دينها.
ومن منطلق آخر.. متى يجب تطبيق حكم من أحكام الشريعة؟ نجد أن بعض أحكام الشريعة تحتاج إلى عدة شروط لتنفيذها، فمثلا حد السرقة يلزم لتطبيقه عدة شروط، وفي خلافة عمر بن الخطاب رفع حد السرقة لظروف المجاعة أي ما يوافقها من ظروف اقتصادية صعبة في عصرنا الحديث.
المطالبة بتطبيق الشريعة لا تحتاج المليونيات كما يتصور البعض من تجار الدين، بل تحتاج إلى نظرة مرنة للمجتمع المصري، وتأهيله تدريجيا لتطبيق الشريعة، ثم وضع تصور للجهة المنوط بها الإشراف على تطبيق الشريعة الإسلامية والبعد عن التعصب والغوغاء، فالشريعة في أصولها تحفظ مكارم الأخلاق وتنشر التسامح وتنبذ الخلافات، وعلى الحركات والتيارات الإسلامية ألا تقحم الدين في السياسة إلى حد استخدام شعارات دينية أو اللعب على حساب الطابع الديني للمجتمع المصري لتحقيق أهداف سياسية، والابتعاد عن حملات التكفير التي نشاهدها على فضائيات دينية تحتاج لمزيد من الضبط والربط لما يقال فيها، وإلا سنكون من الذين فرقوا دينهم وكانو شيعاً، أفيقو يرحمكم الله.