محمد نشأت يكتب: ازدراء الأديان - منبر الشروق - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 2:38 ص القاهرة القاهرة 24°

محمد نشأت يكتب: ازدراء الأديان

نشر فى : الجمعة 17 مايو 2013 - 4:45 م | آخر تحديث : الجمعة 17 مايو 2013 - 4:45 م
محمد نشأت
محمد نشأت

تهمة ازدراء الأديان هي التهمة الأكثر تداولاً في محاكمنا في هذه الأيام – إذا استثنينا إهانة الرئيس وإهانة النظام ثم قضايا الطلاق والخلع – فهي تهمة مَن لا تهمة له، وذنب كل من سولت له نفسه النزاع مع متحدث نصب نفسه حارساً ومتكلما باسم الدين.

 

وإذا كان الازدراء بمعنى تقليل الشأن وإظهاره بصورة سيئة فحري بالعقوبة أن تقلب السحر على الساحر، وتشمل كل من نصب نفسه مدافعاً عن الدين، ضاربًا باستخدامه للدين سخرةً لمصالحه المثل الأسوأ للداعية وللعالم، قبل أن تشمل غيرهم ممن لم يدعوا لنفسهم عصمة ولم يتمسحوا برداء الدين تستراً على نزعاتهم.

 

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا رأيتم الرجل ينشد ضالة في المسجد فقولوا: لا رد الله ضالتك، وإذا رأيتم الرجل يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا: لا أربح الله تجارتك". وقال صلى الله عليه وسلم للأعرابي: "إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا القذر، إنما هي لذكر الله وقراءة القرآن".

 

في الحديثين الشريفين، يوضح الرسول صلى الله عليه وسلم دور المسجد كمنبر للدعوة في حياة الأمة، وينأى به عن أن يتحول لسوق للبيع والشراء وغيرها من أمور الدنيا "المباحة" فضلاً عن غيرها من المحرمات، فالمسجد الذي كان بذرة الدولة الإسلامية كان طبيعياً أن تكون له مكانة قدسية تمنع عنه الامتهان والازدراء.. فنهى الإسلام عن رفع الصوت في المسجد، حتى ولو بالقرآن، فضلاً عن غيره، وعن تخطي رقاب الجالسين في الخطبة حتى، وأمر بمساواة الصفوف في الصلاة، ونهى عن استباق إمام المسجد فيها. ولم يكن بعد ذلك من المستغرب أن يكون المسجد هو بيت الله وروضة من رياض الجنة.

 

لكننا -وفي زمن انقلبت فيه الموازين- صرنا نرى من يدعي العلم يصعد منبر المسجد ليلقي بالسباب والشتائم من فوقه، مطعماً إياها بتحريف للقرآن والسنة في غير مواضعها.. فصرنا نسمع الداعية يصف معارضيه بالأوساخ والكلاب والجرابيع والجرذان والحشرات والأنجاس والمخنثين، وغيرها مما أستحي من ذكره في مقالتي فضلاً عن التلفظ به علناً. ومهدداً إياهم بالسحق بالأقدام وبالأحذية وبالبصاق وغيره، ومتهماً إياهم بالنفاق والكفر ومعاداة الله ورسوله والحرب على دينه، وبالشذوذ والزنا، ويصدر حكمه باستحلال دمائهم وأعراضهم، ويختم بحمد الله والصلاة والسلام على نبيه المختار، ثم ينزل لرفع قضايا ازدراء للأديان على مخالفيه!

 

ليس هذا فحسب، لكن الداعية يتناسى هيبة مكانته ويتقافز كالصبيان على منصة في مظاهرة حاشدة هاتفاً من فوقها بأهازيج محرضة على معارضيه، ويهتف الجمع معه! والداعية أيضاً يتهكم على إنكار أحد معارضيه تعرية النساء معلقاً: يا واد يا مؤمن.. متخيلاً أن التوكيل الحصري لأحكام الإسلام قد صار مع أهله وعشيرته ولا يقبله من معارض له، متناسياً قول الرسول عن كفار قريش: "والله لا تدعوني قريش إلى خصلة تعظم فيها حرمات الله إلا أجبتهم إليها".. ومن هم؟ كفار قريش! وليس أحد المسلمين المخالفين لـ"مولانا".

 

ولم يكن الازدراء مقصوراً على قطيع الجهلاء الظانين بأنفسهم العلم، بل شاركهم فيه بعض العلماء الفضلاء حين اقتحموا مجالاً لم يكن لهم فيه سابقة، ولم يكن لهم فيه من العلم ما يؤهلهم لسلوك دربه الوعر أو المضي قدماً وسط طريقه الملتوي، فطوعوا الدين للسياسة ولم يستطيعوا رفع دنو السياسة إلى علو الدين، فأخطئوا وسار على نهجهم قطاع عريض من الأمة، لكن هؤلاء –ولعلمهم وعلو مكانتهم- قد اعترفوا بخطئهم في اقتحام مجال مظلم كالسياسة بالدين.

 

أذكر أني سمعت الشيخ الحويني يقول: "ينبغي لطالب العلم الشرعي أن يتخصص في أحد فروعه كالتفسير أو الحديث أو غيرها ولا يظن أنه قادر على إحصاء علوم الشريعة فإنها أوسع من أن يدركها كلها".. فما بالك بتخطي علوم الدين إلى غيرها؟

 

أنا لا أبرأ أحداً قد أخطأ في حق الدين، لكن إن أتت الطعنة من حماة الدين وورثة الأنبياء صارت أنفذ، حتى وإن أتت من جاهل نصب نفسه في مقام العلماء، فهي أحرى أن يضاعف لها العقاب ضعفين. ولو علم هؤلاء مكانة الدين وحرمته لتواروا وكفوا عن ازدرائهم للدين، ولكن.. أكثرهم يجهلون.

شارك بتعليقك