أسبوع من الاشتباكات الدامية عاشه أحد شوارع الميدان، راح فيه المئات من الشهداء والمصابين في إحدى جمع الثورة الشهيرة بجمعة المطلب الواحد؛ نزل الثوار إلى الميدان للمطالبة بالانتقال السريع للسلطة من المجلس العسكري إلى رئيس مدني منتخب؛ انتهزت قوات الأمن الفرصة عندما تضاءلت أعداد المعتصمين من مصابي الثورة في ميدان التحرير وقامت بفض اعتصامهم بالقوة واعتقلت بعض منهم وحاصرت الميدان إلى أن المتظاهرين عادوا إلى الميدان بأعداد كبيرة نظرا للعنف المفرط الذي استخدمته الداخلية في فض اعتصام مصابي الثورة؛ وعاودوا السيطرة على الميدان إلى أن بدأ الحدث الذي يعتبر من موجات الثورة الكبرى.
في مساء ذلك اليوم ولمدة أسبوع كامل من الاشتباكات الدامية، لا مجال للحديث عنها تفصيلاً، كثيرون فقدوا أعينهم بطلقات الخرطوش والكثير من حالات الإغماء من قنابل الغاز؛ أيضا تم الاعتداء على عدد لا بأس به من المصورين والصحفيين. بعيدا عن الواقع الجنائي فهي جريمة سياسية متكاملة الأركان ظهر فيها التواطؤ الأمني جلياً؛ إنهم جنرالات العادلي الذراع القمعي للنظام الظالم.
في هذا الشارع المتفرع من الميدان استخدمت كل أدوات القمع، ناهيك عن أيها مصرح به أو لا؛عليك أن تسأل نفسك البشرية بأي ذنب قتل هؤلاء وأصيب آخرون؟ ما هي القضية؟ ما هي النتائج؟
لعلك زرت هذا الشارع بعد تلك الأحداث، كل جرافيتي على حوائط الشارع يعبر عن حدث أو عن شخص أو رأي، رغم ما رأيته بعيني من عنف المقاومة من الجانبين جانب بالسلاح وجانب بالحجارة؛ أبهرتنى حكايات كل حائط، إنها تحكي تاريخ حدث ثوري خالص انتفض من فيه ضد قمع الداخلية.
في وقت متأخر من الثلاثاء الماضي قامت مجموعة من قوات الأمن بإزالة تلك الرسومات ودهان الجدران باللون الأصفر؛ في حوار مع مجموعة من أصدقائى المقربين نتحدث عن ما فعلته جهات تنفيذية تابعة لحكومة قالوا عنها حكومة ثورة، سألت نفسي: ما هذا الفكر العقيم؟ ما زال يستحوذ عليهم الجهل.
من وجهة نظري أن إزالة رسوم الجرافيتى جريمة في حق الثورة والثوار أقل ما يمكن أن يقال علينا أننا خائنين لدماء شهدائنا، علينا أن نحتفظ بشىء ما يذكرنا بدمائهم التي ناضلت من أجل حريتنا وكرامتنا، علينا ألا نهدر دمائهم وحقوقهم وحقوق ذويهم.
من دواعي سرورنا أن تقوم دعوات لرسامي الجرافيتى مساء الأربعاء لإعادة الإبداع الثوري إلى مكانه إن كنا في دولة يحكمها الإخوان المسلمون أو غيرهم من التيارات السياسية ضعيفة كانت أو قوية، فلن نرضى بتلك الممارسات القمعية للفكر والرأي والإبداع.. اقتلوا جهلكم يرحمكم الله.