لقد شهدت فترة المائة يوم الأولى للرئيس محمد مرسى العديد من الانتكاسات والأزمات، أبرزها ظاهرة الاحتجاجات الفئوية وتصاعدها ووصولها إلى حافة العصيان المدني، على رأسها إضراب سائقي الميكروباص، وسائقي النقل العام، وإضراب الأطباء، والمعلمين، وتحول رصيف مجلس الوزراء والبرلمان إلى قبلة لأصحاب المطالب الفئوية من مختلف أنحاء الجمهورية (1590 حالة احتجاج خلال فترة الـ100 يوم الأولى)، وكذلك أزمات في توفر الوقود والسولار ورغيف العيش، بالإضافة إلى أزمات مرورية وحالات انفلات أمني وسطو مسلح في عدد من محافظات مصر.
ولي عدد من الملاحظات على هذه الفترة وهي كالآتى:
1- اختيار الرئيس محمد مرسي للدكتور هشام قنديل كرئيس للوزراء، جاء بنفس أساليب ومعايير اختيار الرئيس السابق حسنى مبارك لمعاونيه، بدون أي مصارحة للرأي العام عن أسباب ومسوغات الاختيار ومؤهلات الرجل لشغل هذا المنصب الهام الذي يعد ثالث أهم منصب في الدولة.
2- إقالة الرئيس محمد مرسي للمشير حسين طنطاوي بعد أقل من 10 أيام على تعيينه كوزيرا للدفاع والإنتاج الحربي في حكومة الدكتور هشام قنديل، بالإضافة إلى إجراء تغييرات وتعديلات هيكلية وجذرية وراديكالية في قيادات الجيش دفعة واحدة، وعلى رأسها تغيير الفريق سامي عنان، رئيس الأركان السابق وإحالته للتقاعد، في وقت لم يمر على توليه مقاليد الحكم إلا حوالى شهرين فقط، وفي وقت تدور فيه معارك طاحنة في سيناء ضد الإرهاب وضد الجماعات الجهادية والتكفيرية التي قامت باغتيال الضباط والجنود المصريين على الحدود في رفح.
ثم اختيار الرئيس مرسي للمشير طنطاوى وللفريق عنان كمستشارين له ومنحهما قلادة النيل جاء ليضفي مزيدا من الغموض على القرار الرئاسي.
3- قسم رئيس المخابرات العامة الجديد، اللواء محمد رأفت شحاتة، أمام الرئيس أثار جدلا واسعا وتساؤلات عديدة حول مقولة "أن يكون ولائه كاملا للسيد رئيس الجمهورية" لأنه سيفتح الطريق لصناعة فرعون جديد له كل الصلاحيات، ومن يقع تحت رئاسته يدينون له بالولاء ولا يمكنهم أن يفعلوا شيئا أو أن يتخذوا أي قرارات إلا بالرجوع أولا لسيادته، وعليهم أن يقدموا فروض الولاء والطاعة له وينصاعوا لأوامره حتى لا يتم إزاحتهم من مناصبهم.
4- كثرة الزيارات والسفريات الخارجية التي بلغت عشر زيارات خارجية في 100 يوم، فبالرغم من أن هذه الزيارت أمر مهم جدا لجذب السياحة وعودة الاستثمارات الأجنبية وتنشيط واستعادة الدور المصرى دوليا وإقليميا، إلا أنها جاءت على حساب إعادة ترتيت الوضع الداخلي الذي يحتاج غلى خطة مارشال، وذلك بحل الأزمات المتوالية في النظافة والوقود والأمن والخبز.. إلخ، وبدا الأمر وكأن الرئيس مرسي يهتم بشئون الخارج أكثر من اهتمامه بمطالب وهموم الداخل، بالإضافة إلى كون هذه السفريات تمثل عبئا على الخزينة العامة للدولة.
5- قرض صندوق النقد الدولي الذي رفضه الدكتور محمد مرسي عندما كان رئيسا لحزب الحرية والعدالة في عهد الدكتور كمال الجنزوري، رئيس الوزراء السابق، ثم إعلان الرئيس مرسى بعد أن أصبح رئيسا للجمهورية وحكومته طلب نفس القرض من صندوق النقد الدولى بـ4,8 مليار دولار، وسط تحذيرات من الخبراء من أن مثل تلك الخطوة من شأنها إضافة المزيد من الأعباء على عاتق المواطنين، وزيادة الأسعار، فضلا على زيادة الديون الخارجية على البلاد.
6- القرار الذي أصدره الرئيس محمد مرسي – الذي ما لبث أن قامت المحكمة الإدارية العليا بإبطاله بعد ذلك - بعودة مجلس الشعب للعمل من جديد عقب توقفه بعد الحكم الصادر من المحكمة الدستورية في 14 يونيه الماضي، وإجراء انتخابات جديدة خلال ستين يوما من انتهاء الدستور، في سابقة هي الأولى في تاريخ القضاء المصرى، هو بكل تأكيد ضربة قاصمة للديمقراطية، وانتهاك صارخ لسيادة القانون، وخروج على الشرعية، ولطمة على وجه القضاء المصرى، وينم عن جهل تام وعدم معرفة بالدستور والقانون الذي أقسم سيادته على احترامهما.
7- الشو الإعلامي الذي يصاحب الرئيس محمد مرسي في كل صلاة، فقد استغل سيادته الصلاة والجوامع في الالتحام بالجماهير وإلقاء خطب وكلمات للتقرب من المصريين، ولكن الإجراءات الأمنية المشددة حول أي مسجد يقوم السيد الرئيس بالصلاة فيه، وتحول بيوت الله الى ثكنات عسكرية كان لها تأثير سلبي على الشعب المصري، أدى إلى هبوط منحنى شعبية الرئيس.
8- أداء بعض قيادات حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، والذين يتكلمون هنا وهناك نيابة عن الرئيس مرسي، وكأن الشعب انتخبهم مع الرئيس، بالإضافة إلى استمرار الوضع غير القانوني للجماعة وعدم معرفة مصادر تمويلها وطرق إنفاقها يضع العديد من علامات الاستفهام على من يحكم مصر بالضبط الرئيس أم الجماعة.
حتى مشروع النهضة الذي روجت له الجماعة وأركانها، وكان أساس البرنامج الانتخابي للرئيس محمد مرسي ليس له أساس على أرض الواقع، واتضح أن هذا المشروع ليس أكثر من مجرد أفكار وتصورات فهو ليس مشروع تنموي ولا اقتصادي ولا فكري، إنما مجرد دعاية انتخابية ذهبت مع إعلان نتائج الصناديق.
9- مع كل الاحترام والتقدير لتعيين المستشار المحترم محمود مكي كنائب للرئيس، ولكن الرئيس مرسي لم يلتزم بما وعد به أثناء حملته الانتخابية بتعيين امرأة وقبطي كنائبين للرئيس، وجاء السيد نائب الرئيس - وكذلك فريق المستشارين والمساعدين الذين تم اختيارهم على أساس المحاصصة السياسية – بدون صلاحيات محددة أو مهام معينة للقيام بها.
10- أين وعد الرئيس مرسي بإعادة تشكيل الجمعية التأسيسية فور انتخابه حتى تأتي معبرة عن كافة أطياف المجتمع؟ فقد ظل تشكيل الجمعية كما هو بأغلبية إخوانية مع وجود عناصر مستقلة وحزبية أخرى فقط لحفظ ماء الوجه، وأزعم أن هذا الدستور ربما يأتي مشوها ومعبرا بشكل كبير عن ما يريده الإخوان وليس ما يريده الشعب.
11- يجب أن أشيد بزيارة الرئيس مرسي إلى إيران، وبخطابه أمام قمة عدم الانحياز الذي كان أشبه بالطلقات السريعة، فقد كانت أول زيارة لرئيس مصري إلى طهران منذ حوالى 33 عاما، وتحديدا منذ عام 1979، ويعد الخطاب بداية لرسم وتشكيل ملامح سياسة خارجية جديدة لمصر تقوم على أساس تحقيق المصلحة المصرية والانفتاح على جميع دول العالم دون تبعية ولا عداء لأي دولة ودون التدخل في الشئون الداخلية لأي دولة.
وكذلك أشيد بمشاركته في اجتماعات القمة الأفريقية في أديس أبابا بعد غياب أكثر من 15 عام عن التمثيل الرئاسي رفيع المستوى لمصر في القمم الأفريقية، فقد كانت هذه الزيارة رسالة قوية وموجزة بأن مصر قد عادت إلى مكانتها الطبيعية في أفريقيا التي فقدتها خلال العهد السابق الذي كان يتعمد إهمالها مما ترتب عليه أحداث فراغا في الدور المصري في القارة السمراء، ومشاركته أيضا في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بعد غياب مصر على المستوى الرئاسي منذ 23 عاما، حيث كانت آخر مرة تحضر فيها مصر على المستوى الرئاسي إبان حكم الرئيس السابق حسني مبارك في عام 1989، حيث دشن الرئيس مرسي مرحلة جديدة في تاريخ علاقات مصر الخارجية.
12- خطوة أخرى يجب الإشادة بها، وهي الإفراج عن كافة المعتقلين السياسيين الذين تم اعتقالهم منذ أحداث ثورة 25 يناير حتى 30 يونيو 2012 .
ولكن السؤال هنا لماذا لم يتخذ الرئيس محمد مرسي هذا القرار إلا في اللحظات الأخيرة من انتهاء المائة يوم؟
------------------------
سيادة الرئيس عليك أن تعترف أن المائة يوم الأولى من حكم سيادتكم قد شهدت فشلا ذريعا على كل المستويات، لم يشعر المواطن البسيط العادي بأي تحسن في أحواله المعيشية، ولم يرى حتى أي بصيص من الأمل أو نقطة نور في نهاية النفق المظلم.
لقد استبشر الشعب خيرا بمجيئك واتسعت دائرة الأماني والطموحات التي راودت كل مواطن نتيجة للوعود الوردية التي وعدت سيادتك بتحقيقها، ولكن أصبحت هذه الوعود كالسراب واستيقظ كل مواطن من سباته ليجد أن ما كان ينظر إليه هو مجرد حلم ليس له أي أساس على أرض الواقع، ولم تنجح في تحقيق أهداف الثورة - في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية - التي جاءت بسيادتك إلى سدة الحكم.
انتهت أول مائة يوم بكل ما لها وماعليها، وعلينا ألا نبكي على اللبن المسكوب، ويجب وفورا أن نفكر ليس في المائة يوم الأخرى فقط ولكن في السنوات القادمة والمستقبل القريب، علينا أن نعرف ماذا سيكون شكل الحياة في مصر بعد خمس سنين أو عشر سنين، فمن حق كل مواطن أن يحلم بحياة كريمة له ولأسرته يتمتع بها بكافة حقوقه ويقوم بأداء جميع واجباته.
وهذا لم ولن يأتي طالما أننا مستمرون في التفكير بنفس الطريقة العقيمة، وطالما يوجد في مصر نفس العقليات التي كانت تفكر منذ مائة سنة، فنحن لا نريد إعادة اختراع العجلة من جديد، وإعادة سياسات العهد البائد الذي قضى على مصر وعلى أي مستقبل لها.. فأرجوك يا سيادة الرئيس أن تنتشل مصر من ما هي عليه الآن، قم بتغيير السياسة المتبعة، وخذ قرارت سريعة وجريئة وشجاعة، واعلم جيدا أن الشعب المصري بكافة أطيافه وتوجهاته سيقف خلفك عندما تعمل على تحقيق مصلحة هذا الوطن وليس مصلحة جماعة أو فئة معينة، واعلم أن هذا الشعب لن يرضى بالفساد والظلم والاستبداد مرة أخرى تحت أي مسمى وإلا سيقوم بثورة جديدة أشد عنفا وضراوة تقضي على الأخضر واليابس.