مهدت تصريحات قائد شرطة دبي الفريق ضاحي خلفان، التي توالت في الآونة الأخيرة هجوما على جماعة الإخوان المسلمين، لما أعلن عنه الإعلام الإماراتي بشأن اعترافات 60 معتقلا بالانتماء للجماعة. لكن الاتهامات التي أوردتها الصحف الإماراتية -نقلا عن مصادر وصفتها بالمطلعة- شملت ما هو أبعد من مجرد الانتماء إلى تنظيم محظور، وهو الانتماء إلى تنظيم يمس "أمن الدولة" مرتبط "بجهة خارجية" و"يتلقى أموالا من الخارج" ويسعى إلى "الاستيلاء على السلطة وإقامة حكومة دينية أو دولة الخلافة".
وتبلغ الاتهامات ذروتها بالقول إن المعتقلين أسسوا جناحا عسكريا منذ ربع قرن. والملاحظ غياب التأكيد أو النفي الرسمي لصحة ما أوردته وسائل الإعلام الإماراتية بشأن اعترافات المعتقلين والتهم الموجهة إليهم، وكذلك غياب تصريحات صادرة عن جهات الدفاع عن هؤلاء المعتقلين الذين أصبحوا متهمين ينتظرون حكم القضاء. والأمر يعد فريدا من نوعه في تاريخ الإمارات سواء من حيث عدد المعتقلين، أو طبيعة الاتهامات، وما نسب إليهم من اعترافات. فالمعتاد في مثل هذه القضايا القليلة من نوعها في الإمارات هو مجرد حالة أو حالات فردية لا تأخذ صفة التنظيم، وتحصل على فترات متباعدة، وتتعلق بانتقادات سياسية، أو قضايا حريات، أو مطالب اجتماعية.
والمتابع لحديث الاعتقالات في الإمارات يجد أنه اكتسب زخما مواكبا للربيع العربي الذي رافقه أيضا تصعيد لمسلسل التصريحات الهجومية والمفاجئة التي انفرد بها قائد شرطة دبي الفريق ضاحي خلفان، واتهامه للإخوان المسلمين بالسعي للاستيلاء على السلطة في دول الخليج. وكتب خلفان في حسابه الرسمي على موقع تويتر أن الرئيس المصري المنتخب الدكتور محمد مرسي "سيأتي إلى دول الخليج حبوًا ليطلب منها المساعدة ولن نستقبله بالسجادة الحمراء"، واصفًا اختياره بأنه "غير موفق".. تصريحات من هذا النوع وبهذه اللغة اقتصرت على خلفان ولم ترد على لسان أي من الشيوخ الحاكمين، بل حرصت الإمارات رسميا على تداركها بعد أن طالت شخص الرئيس مرسي، في وقت قصدها للإقامة منافسه الخاسر في الانتخابات الرئاسية الفريق أحمد شفيق، الذي أصبح مطلوبا من قبل القضاء المصري فيما بعد لاتهامه في قضايا فساد.
وتتضمن الاعترافات المنسوبة للمعتقلين في الإمارات "استغلال أحداث الربيع العربي، وأن هدفهم الاستراتيجي هو الاستيلاء على السلطة وإقامة حكومة دينية أو دولة الخلافة"، وأن سير التحقيقات بيّن أن الهيكل التنظيمي للتنظيم يشتمل على "لجان ومكاتب فرعية على مستوى كل إمارة من الإمارات السبع التي تتكون منها دولة الإمارات العربية المتحدة، كما يضم مجلس شورى ومكتبا تنفيذيا وجناحا عسكريا".كما تتضمن -حسب ما نشرته الصحف الإمارتية- أن تنظيم الإخوان في الإمارات "تلقى من مماثله في دولة خليجية -لم تذكرها- أخيرا مبلغ عشرة ملايين درهم (2.7 مليون دولار) بعد اعتقالهم". أما المطالب الاجتماعية فتتعلق بالهوية وخلل التركيبة السكانية ومشكلة تجنيس البدون.
ويرى عدد كبير من الإماراتيين -الذين لا يشكلون سوى أقل من 10% من إجمالي سكان البلاد البالغ عددهم ثمانية ملايين- أنهم أقلية، وأن اللغة العربية ليست اللغة الرئيسية في الحديث، وأن هناك زيادة في عدد الأجانب، وأن هناك سلبيات أخرى للانفتاح تتعلق بالخمور والدعارة.
والواقع أن الإمارات التي تعد واحدة من أغنى دول العالم، لم تشهد احتجاجات على غرار تلك التي أطاحت بأربعة زعماء عرب من السلطة وعززت الحركة الإسلامية في أنحاء الشرق الأوسط، ويعود ذلك في جزء منه إلى نظام الرعاية الاجتماعية. لكن السلطات لا تزال قلقة من أن يؤدي صعود الإسلاميين إلى السلطة في أماكن أخرى إلى تشجيع الحركة الإسلامية في الإمارات. وتسعى السلطات الإماراتية -كغيرها من الحكومات الأخرى- إلى فرض سيطرتها على الواقع الأمني عبر شن عمليات استباقية هدفها تقييد حركة الجماعات المعارضة التي تسعى إلى تغيير الواقع الحكومي، والاستفادة من حالة التغير التي تشهدها المنطقة العربية والتي استفادت منها بعض الأحزاب والحركات الإسلامية.
إن الهجوم الذي شنّه وزير خارجية الإمارات الشيخ عبد الله بن زايد، ضد جماعة الإخوان لم يأتِ من فراغ، وإنما جاء بعد تأزم شديد للعلاقات بين الإمارات ومصر. إن السلطات الإماراتية طلبت من مصر رسمياً ومن حزب الحرية والعدالة بأن يتم إدانة "إصلاحيي" الإمارات المعتقلين وأن يعلن الإخوان في مصر رفضهم القاطع للمساس بأمن الإمارات، وجاء الرد الرسمي المصري بأن مصر ترفض فعلاً المساس بأمن الإمارات لكنها لن تتدخل في قضية الإصلاحيين والإماراتيين، وذكّرت القاهرة السلطات الإماراتية بأنها سبق وأكدت أن مصر لن تعمل على تصدير ثورتها لأي بلد عربي ولن تتدخل في شأن داخلي لأي بلد، وهو ما أكده الرئيس المصري نفسه بعد أن أعربت دول خليجية، وعلى رأسها الإمارات، عن تخوفها من دعم القاهرة لجماعات الإخوان المنتشرة في دول الخليج. فإن القاهرة أبلغت أبو ظبي بأنه لا يعقل أن يطلب منا عدم التدخل في أي شأن داخلي لأي بلد ومن ثم يطلب منا الآن التدخل لإدانة مواطنين إماراتيين يعتقلون بسبب انتمائهم لتنظيم الإخوان لصالح النظام الإماراتي، وهو الرد الذي أزعج الإمارات التي تبدو متوجسة جداً من جماعة الإخوان في الإمارات والتأييد الشعبي الذي تحظى به.
وحاولت الإمارات التأكيد بأن الإخوان في مصر ليسوا بمعزل عن مزاعم السلطات بكشف خلية تعمل للإضرار بأمن الدولة بالتعاون مع التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، وهو الأمر الذي نفاه حزب الحرية والعدالة جملة وتفصيلاً. إن العلاقة بين مصر والإمارات تمر بأسوأ أحوالها، والقاهرة لا تتعمد أي تصعيد مع هذه الدولة الخليجية أو غيرها لكنها عاكفة على التحقيق من معلومات أشارت لها وسائل إعلام غربية، كان آخرها تقرير نشرته صحيفة "الغارديان" البريطانية وأشارت فيه إلى أن الإمارات تقود الثورة المضادة في مصر، وأكد المسئول المصري أنه إذا تأكد أن الإمارات تمول جماعات أو تتدخل في الشأن المصري فإنه سيكون لكل حادث حديث.