فى أحد المولات الشهيرة وقعت عيني على شاشة عرض كبيرة، إنها واحدة من تلك الشاشات التى تعرض بعض الإعلانات، توقفت أمامها رغماً عني، لم تكن تعرض إعلاناً فى تلك اللحظة، بل كانت تعرض رسالة ما.
لم أتنبه حينها لماذا توقفت. مرت لحظات وطال وقوفى وأنا لا أستطع أن أرفع عينى عن تلك الشاشة، لقد وجدت نفسى منجذباً بشدة لهذه الرسالة، وما زاد من تعجبى أننى قرأت هذه الرسالة من قبل، لقد أرسلها لى أحد أصدقائى على بريدى منذ شهور، لكننى اليوم وجدتنى مشدوداً لها وكأنى لم أرها من قبل، وكأن شيئاً غامضاً يجمدنى فى مكانى ويمنعنى من الحركة.
كانت الرسالة عبارة عن بعض العبارات يتبع كل عبارة صورة تعبيرية، كانت العبارة الأولى تقول: "إذا أردت أن تعرف قيمة العشر سنوات فاسأل زوجين إنفصلا حديثاً - وإذا أردت أن تعرف قيمة السنة فاسأل طالب تجاوز الإختبار النهائى حديثاً"، وتتابعت العبارات حتى وصلت إلى: "إذا أردت أن تعرف قيمة الثانية وجزء الثانية فاسأل شخصا فاز بميدالية فى الأوليمبياد".
فى البداية اعتقدت أنى مشدوداً إلى هذا التتابع وهذه الأمثلة، كنت كلما تركت عقلى يتعمق فى عبارة تابعتنى العبارة التى تليها فازداد حيرة. وأقول لنفسى لقد سمعت ذلك من قبل، وفى النهاية أردت أن أعرف ماذا يشدنى فى كل هذه العبارات، فجاءت العبارة التالية... الوقت لا ينتظر... الوقت لا ينتظر... سألت نفسى: وماذا بعد؟؟... فجاءت الكلمات الأخيرة "إذا أردت أن تعرف قيمة اللحظة... شارك بها".
وهنا توقفت عن المتابعة... وتوقفت عن التفكير... وتوقف كل شيئ من حولى... لم أجد غير إحساس يملأنى... وخواطر تجتاحنى... إنها الحقيقة... لكم هى واضحة... ولكم هى خفية... حقيقة منطقية... ولكننا لا نراها دائماً.
ما قيمة أى شيئ إن لم تشاركه؟ ما قيمة أجمل طعام تصنعه أو تجلبه إن لم يشاركه معك أحد... ما قيمة أجمل ثيابك إذا لم يُبد أصدقاءك إعجابهم بها... ما قيمة أفخم سيارة فى الدنيا إن لم تستمتع بها مع أحبابك... ما قيمة أروع رحلة فى الدنيا إذا كنت فيها وحيداً... ما قيمة كل كنوز الدنيا إذا لم تحقق بها لأحباءك ما يتمنون... ما قيمة أجمل فيلم تشاهده إذا لم تحكى أجمل مشاهده لصديق لك.
ما قيمة أجمل الألحان إن لم يسمعها من حرك وجدانك بها... ما قيمة أبلغ الكلمات إن لم يشعر بها من أحببت، وإن لم يشاركك فيها أصدقاءك والمقربين إليك... ما قيمة الحياة إن لم يشاركك فيها رفيق وصديق وحبيب... ما قيمة اللحظة إن عشتها وحدك؟؟
كل هذه المعانى والخواطر هاجمتنى واجتاحت عقلى وشعورى... ومنعتنى من التفكير أو الشعور سوى بشيئ واحد... ألا وهو معنى المشاركة... معنى الحب بكل أنواعه... معنى الصداقة بكل صورها.
ويبقى السؤال... سؤال ما زال يحيرنى كثيراً... كيف شدتنى هذه الكلمات؟!... وما سر إنجذابى لها؟!.
سألت نفسى كثيراً وأنا أقف أسيراً أمام هذه الشاشة... لماذا أقف هكذا... لقد قرأت هذه الكلمات من قبل... إنها كلمات جميلة ولكنى أعرفها... قرأتها وأعجبت بها ولم تشدنى من قبل.
إنها الكلمة الأخيرة... الكلمة التى لم تصلنى فى بريد صديقى... كلمة: شارك اللحظة... شارك بها.
كيف عرفت أنها ستكون الكلمة الاخيرة؟
ما زلت أتساءل: كيف جذبتنى كلمة الختام قبل أن أقرأها؟؟ قبل أن أعرف أنها ستأتى فى النهاية؟؟ لا أعلم؟؟
ولكن هذا عهدى بالأشياء... دائماً تجذبنى قبل أن أراها!! ودائماً يبقى السؤال؟؟ كيف!.